تقاس به ملاحة الألفاظ أو سماجتها، وما تمتاز به قوة جرسها أو ضعفه. لا بل إن كون الألفاظ بطبيعتها أحياء متحركة متغيرة متجددة، يجعل أي مقياس يقاس به جمالها نسبيًا جدًا. وعندي أن أفضل ما يعتمد عليه الناقد في هذا الباب، هو القاعدة القديمة:"البلاغة الإيجاز".
ذلك بأن المعاني هي المرادة بالألفاظ. والمعني قد يكفي في التعبير عنه لفظ واحد. كما قد يحتاج إلى أكثر من ذلك. فمتي زاد الأداء اللفظي عما يحتاج إليه المعني من كلمات، كي يصير ظاهرًا واضحًا، فتلك الزيادة إما ناشئة عن عي، وإما عن قصد إلى التزيين والتحسين. ومحل الخلاف ليس هو الزيادات الناشئة عن العي والعجز. وانما هو الزيارات التي اريد بها التزيين. فهذه تخضع لحكم البيئة، وتختلف نظرات الناس إليها باختلاف الدهور والأمكنة. وإذا جاز لنا أن تشبه المعاني المؤداة في القدر الذي تطلبه من الكلمات، بالصور البشرية العارية، فالزيادات المراد بها التحسين والتزيين، تكون بالنسبة إليها، بمثابة الثياب والأصباغ والحلي والتهيؤ، وما إلى ذلك بالنسبة الي الصورة البشرية. والمشاهد في كل بيئة، وفي كل دهر] إلا بين طبقات من المتنطسين [أن الحسناء الحالية مفضلة على الحسناء العاطلة. ولكن الغريب في الأمر أن ما يعد حليًا ههنا، قد يعد شيئاّ هناك. مثلا، بعض الحسناوات المصريات يشمن خدودهن وأذقانهن بالخضرة الثابتة. ويخبرنا ليبد أن العربيات الحسنان كن يجعلن على أيديهن كففا من النؤور يجددن خضرتها كلما بهتت، قال في المعلقة:
أو رجع واشمةٍ أسف نؤورها ... كففا تعرض فوقهن وشامها
وفي شعر هدبة ما يفيد أن الغواني كن يضعن على أنوفهن الجادي، فيبدون كأنهن راعفات، قال:
تضمخن بالجادي حتى كأنما السأنوف إذا استعرضتهن رواعف (١)