للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المردة الغضاب يزعم أنه قوي أمين (١)، ولأبي العلاء صاحبًا كأبي هدرش إلا أنه شهد الردة وانحاز إلى الخوارج وهلم جرا.

[حالة الجذب]

لعل ما سبق يوضح مراد العرب من نسبة الشعر إلى قرناء من الجن يلقونه إلى الشعراء، ذلك بأنهم رأوا ما ينتاب الشعراء من انفعال ثم ما يصيرون إليه بعد هذا الانفعال من جسارة على الاعتراف والصراحة لا يقدر عليها غيرهم ولا يروموها ولا يُتقبل منه ذلك إن فعل، فلم يجدوا وجهًا من وُجوه الرأي يفسرون به هذه الظاهرة المخالفة لما عليه مألوف الطبيعة غير أن ينسبوها إلى الجن.

وأريد أن أذكرك ههنا بخبر الفرزدق إذ تحداه غلام من الأنصار بقصيدة حسان بن ثابت الميمية. وسياق الخبر كما ذكره صاحب الأغاني يرويه بسنده إلى إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: «قدم الفرزدق المدينة في إمارة أبان ابن عثمان. فأتى الفرزدق وكثير عزة. فبينما هما يتناشدان الأشعار إذ طلع عليهما غلام شخت رقيق الأدمة في ثوبين مُمصرين، فقصد نحونا فلم يُسلم وقال: أيكم الفرزدق؟ فقلت مخافة أن يكون من قريش: أهكذا تقول لسيد العرب وشاعرها؟ فقال لو كان كذلك لم أقل هذا. فقال له الفرزدق من أنت لا أُم لك؟ قال رجل من الأنصار، ثم من بني النجار، ثم أنا ابن أبي بكر بن حزم، بلغني أنك تزعم أنك أشعر العرب، وتزعمه مُضر. وقد قال شاعرنا حسان بن ثابت شعرًا. فأردت أن أعرضه عليك وأُؤجلك سنة، فإن قلت قيله فأنت أشعر العرب كما قيل، وإلا فأنت مُنتحل كذاب، ثم أنشده:

ألم تسأل الربع الجديد التكلما


(١) راجع خبر سيدنا سليمان مع بلقيس، وفي سورة النمل، قال عفريت من الجن إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>