ولدنا بني العنقاء وابني محرق ... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
يُسود ذو المال القليل إذا بدا ... مُروءته منا وإن كان مُعدما
وأنا لنقري الضيف إن جاء طارقًا ... من الشحم ما أمسى صحيحًا مُسلمًا
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحا ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فأنشد القصيدة وهي نيف وثلاثون بيتًا وقال له قد أجلتك في جوابها حولاً. فأنصرف الفرزدق مُغضبًا يسحب رداءه. وما يدري أنه طرفه حتى خرج من المسجد. فأقبل علي كثير فقال لي قاتل الله الأنصاري ما أفصح لهجته وأوضح حجته وأجود شعره فلم نزل في حديث الأنصاري والفرزدق بقية يومنا. حتى إذا كان من الغد خرجت من منزلي إلى المسجد الذي كنت فيه بالأمس. فأتي كثير فجلس معي وإنا لنتذكر الفرزدق ونقول ليت شعري ما صنع إذ طلع علينا في حُلة أفواف قد أرخى غديرته حتى وافى مجلسه بالأمس، ثم قال ما فعل الأنصاري فنلنا منه وشتمناه فقال، قاتله الله، ما مُنيت بمثله، ولا سمعت بمثل شعره. فارقته وأتيت منزلي أُصعد وأُصوب في كل فن من الشعر، فكأني مُفحم لم أقل شعرًا قط. حتى إذا نادى المنادي بالفجر رحلت ناقتي وأخذت بزمامها حتى أتيت ريانًا (١) وهو جبل بالمدينة، ثم ناديت بأعلى صوتي «أخاكم أخاكم» يعني شيطانه فجاش صدري كما يجيش المرجل فعقلت ناقتي وتوسدت ذراعها فما قمت حتى قلت مائة بيت من الشعر وثلاثة عشر بيتًا، فبينما هو
(١) هكذا وما أكثر ما يصرف غير المنصرف كما في قراءة نافع في «هل أتى».