هذا، ولا يغفلن القارئ، مع الذي ذكرناه من الصلة الوثنية الرمزية بين الحمامة والعين والفم، من ناحية الشبه المحسوس في هذه الأشياء جمعيها، إذ الشفة الممتلئة اللعساء فيها شبه من الحمامة الورقاء. والفم فيه شبه العين من حيث الاستدارة. وبهجة الفم حين يبتسم والعين حين تفتر معه، لا يخلوان من شبه البهجة في خفوق جناحي الحمامة، حين تشرع في الدفيف وتطير من غصن إلى آخر. ثم الشبه بين العين والغدير لا يخفى؛ والله تعالى أعلم.
[الأصل الهديلي]
هذا الأصل وثيق الصلة بنوح الحمام.
وقولنا الهديلي نسبة إلى الهديل. والعرب تزعم أن الهديل فرخ هلك في الزمان الأول. فلا تزال الحمائم يبكينه شجوا وحزنًا. قال المعري:
أبنات الهديل أسعدن أو عد ... ن قليل العزاء بالإسعاد
وقوله بنات الهديل جرى فيه على مذهب من جعل الهديل ذكر الحمام، أو لعله بقوله بنات الهديل إنما أراد مجرد النسبة.
إيه لله دركن فأنتن اللواتي ... تُحسن حفظ الوداد
ما نسيتن هالكًا في الأوان الخال ... أودى من قَبل هُلك إياد
وذكر صاحب اللسان للعرب قولين في سبب هلاك الهديل (راجع مادة هدل من أجل هذا ومن أجل كثير غيره مما نستشهد به ههنا)، أحدهما أنه فرخ هلك ضيعة وعطشًا على زمان نوح، وآخر أنه اصطاده جارح من الجوارح. والقول الأول عندنا ضعيف إذ لا يعقل العطش مع الطوفان، وأحسب أصحاب هذا القول إنما ذكروا سيدنا نوحًا بقصد الإيغال في القدم ولصلة ما بين الحمامة وسفينة نوح. والقول الثاني