أرجح عندنا لأن الجوارح مما تصيد الحمام. والراجح عندنا أن الجارح المراد ههنا الصقر، إذ هو قوي الصلة بالرمزية الحمامية كما قدمنا لك آنفًا وكما سنذكر فيما بعد إن شاء الله. وقال حميد بن ثور يذكر فرخ الحمامة:
أُتيح له صقر مُرب فلم يدع ... لها ولدًا إلا رميمًا وأعظما
ويقال للهذيل أيضًا «ساق حر»: قال الهذيلي في رثاء ولده ومناجاته للحمامة، وسنستشهد بسائر أبياته فيما بع إن شاء الله:
فقلت لها فأما ساق حر ... فباد مع الأوائل من ثمود
وقد اختلفت العرب في الهديل وفي ساق حر، فجعلتهما طورًا صوت الحمامة وطورًا اسمًا لفرخها وقالوا في الهديل أيضًا أنه ذكر الحمام، كما قدمنا. وعندنا أن جميع هذه الأقوال متقاربة وأصلها واحد. وذلك أن العرب حين شخصت صوت الحمام فجعلته فرخًا قتله جارح، عادت فجردت هذا الذي شخصته وجعلته صوتًا، وأحسب أن أبا سعيد السكري أراد إلى قريب من هذا الذي نقوله حين شرح بيت الهذلي فقال:«ظن أن ساق حر ولدها، فجعله اسمًا له»(١). وحكاية الصوت في «ساق حر» لا تخفى، وهي كذلك في الهديل، إلا أنها في «ساق حر» أظهر.
قال الآخر:
ما أنا الدهر بناس ذكرها ... ما غدت ورقاء تدعو ساق حر
فهذا معنى الصوت أوضح فيه من معنى الفرخ، غير أن معنى الفرخ غير بعيد، ويجوز تصور أن يكون الشاعر أراد المعنيين معًا.