للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا رقأت عيناي ذكرني به ... حمام تتادى في الغضون وقوع

دعون هديلاً فاحتزنت لمالك ... وفي الصدر من وجد عليه دموع

فهذا يحتمل المعنيين معًا، ومعنى الفرخ أظهر.

وقال الآخر:

ما هاج شوقك من هديل حمامة ... تدعو على فنن الغضون حمامًا

فهذا معنى الصوت فيه هو المراد والبيت قديم استشهد به ابن جرير في تفسيره. وقال عبيد بن الأبرص:

وقفت بها أبكي بُكاء حمامة ... أرا كية تدعو الحمام الأواركا

إذا ذكرت يومًا من الدهر شجوها ... على فرع ساق أذرب الدمع سافكا

وفسروا فرع ساق ههنا برأس ساق أي رأس غصن (١)، وعندي أن ساقًا ههنا هو «ساق حر»، أي على فرع تصيح منه بساق حر، والله أعلم.

وشبيه بمذهب العرب هذا الذي ذهبته من تشخيص الصوت ثم تجريده، ما فعله الإغريق بأسطورة الصدى، إذ جسدوه، وجعلوه آلهة من آلهتهم وقصوا في ذلك خبرًا طويلاً. ولولا أن العرب تؤثر الإيماء والإيجاز، لقد كانت أسطورتهم في الهديل مفصلة كتفصيل أسطورة الصدى.

هذا وأما قولهم في الهديل أنه ذكر الحمام فمرده عندي إلى أمرين أحدهما أنهم يقولون الهديل والهدير بمعنى، والهدير من أصوات الذكر يدعو الأنثى. فأطلق المسبب على السبب. والثاني أنهم نظروا إلى رمزية الصقر والحمامة. وكما أسلفنا لك فإن الصقر رمز للرجل وللذكورة والحمام رمز للمرأة والأنوثة. والرجل صائد والأنثى


(١) انظر المختار من أشعار العرب للعلوي، مصر ١٣٠٦ هـ/ ص ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>