للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباب الأول

الجرس (١)

هذا الحرف لم يكن يستعمله الأوائل استعمالًا اصطلاحيًا كما نفعل الآن. وإنما كانوا يستعملون لفظتي البلاغة والفصاحة، ويختلفون بعد في مدلوليهما. والذي كان راجحًا عندهم أن الفصاحة تتعلق باللفظ، والبلاغة بالمعنى. قال أبو هلال العسكري (٢): "ومن الدليل على أن الفصاحة تتضمن اللفظ، والبلاغة تتناول المعنى أن الببغاء يسمى فصيحًا، ولا يسمى بليغًا، إذ هو مقيم الحروف، وليس له قصد إلى المعنى الذي يؤديه". اهـ. وقال في موضع آخر (٣): "قالوا: وإذا كان الكلام يجمع نعوت الجودة، ولم يكن فيه فخامة وفضل جزالة، سمي بليغًا، ولم يسم فصيحا". اهـ. فهذا كله يدل على أن الفصاحة بالمعنى الاصطلاحي القديم، كان يراد بها رنين الألفاظ. وهذا قريب من مرادنا بكلمة الجرس. وكثيرًا ما كان الأوائل يستعملون لفظة الجزالة، يعنون بها رنين اللفظ. ولكن هذه اللفظة كانت تستعمل في أغراض عديدة، وتسلك بها مسالك متشبعة. والبحث في ذلك يطول. والراجح عندي أنها كانت تصف الأسلوب عامة، ولا سيما إذا كان يشتم منه النفس الجاهلي. وقد تورط أبو هلال فاشترط الجزالة لجودة الكلام، وعرف الجزل من القول، بأنه الذي "تعرفه العامة إذا سمعته، ولا تستعمله في محاوراتها (٤) " (وما لبث أن نقض مقالته هذه، حين تعرض لأبيات من شعر تأبط شرًّا، منها في صفة الظليم:


(١) للجرس معنى اصطلاحي عند اللغويين وانظر مقدمة التهذيب للأزهري.
(٢) كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري مصر ١٩٥٢: ٨.
(٣) نفسه: ٨.
(٤) نفسه: ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>