للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أزف زلزج هزرفي زفارف ... هزف يبذ الناجيات الصوافنا (١)

فوصف هذا بأنه من "الجزل البغيض الجلف ... الذي ينبغي أن يتجنب مثله (٢) " وكأني به قد احتاج إلى المشايخ والمعاجم في تفهم هذا البيت، ولم يستطع أن ينكر جزالته، وأيقن أنه مما لا تفهمه العامة حين تسمعه، ولا تقدر على أن تأتي بمثله فلم يملك إلا ذمه.

هذا، ومما يلحق بكلمتي "الفصاحة" و"الجزالة" مما كان يراد به نعت الألفاظ ورنينها "حسن الرصف" و"الفخامة" و"شدة الأسر" و"صفاء الديباجة" و"السلاسة". و"الفصاحة"، أدخلها جميعًا في جوهر الاصطلاح. وكلمة "الجرس" التي نستعملها نحن المعاصرين، أدل منها على القصد، فصوتها نفسه يشعر بمعناها. وهي بعد لفظ واسع المدلول، ينضوي تحته كل ما يتعلق بدندنة الألفاظ في البيان الشعري. فالوزن والقافية على ذلك طرفٌ منه. وتبقى بعد الوزن والقافية فضلة، هي مرادنا من هذا الباب. وهذه الفضلة يدخل فيها الجناس والطباق، وسائر المحسنات اللفظية، مع تركيب الكلام، وترتيب الكلمات وتحيرها، وكل ما من شأنه أن يعين على تجويد البنية والرنين في أبيات الشعر. وتقابل كلمة "جرس" من الاصطلاحات الإنجليزية، كلمة: " Rhythm". وعلى سبيل مثال Rhythm ونظائرها في اللغات الإفرنجية، حذا النقاد المعاصرون منا، في استعمال كلمة "جرس".

ومن العجيب حقًا، أن النقاد القدماء ضل عنهم أن يستعملوا كلمة "جرس" استعمالًا اصطلاحيًا، وهي أدل - كما قدمنا- من كلمة "الفصاحة"، مع أنهم كانوا


(١) قوله "أزف" ... إلى قوله "هزف": كله بمعنى السرعة. واستعمل الجمع "زفازف" مكان المفرد زفزاف، أو لعله أراد: " ذو زفازف" والزفزفة: الخفة، وهزف: كأنها محرفة من هجف: أي هذا الظليم السريع، يبذ الخيل الناجيات الصوافن.
(٢) نفسه: ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>