وقد جعل نفسه في أول القصيدة سقيمًا من الحب كأنه هلال حيث قال:
صلة الهجر لي وهجر الوصال ... نكساني في السقم نكس الهلال
فغدا الجسم ناقصًا والذي ينقص ... منه يزيد في بلبالي
فالدمنتان ونؤيهما كأنهن عوائد له، وما في الدمنتين من كناية لا يخفي.
هذا ورمزية الأثافي باب واسع والحديث فيها مما يطول. وهي مما غبر دهرًا طويلاً في الشعر العربي وافتن فيه القدماء والمولدون كما رأيت، وقد خلص شيء كثير منها إلى اللغات العامية، من ذلك قول المحلق صاحب تاجوج (١):
هاديك دارا وديك لداياها
وهاداك الفرع مُعلاق رواياها
أكان نسلم من الدنيا وسواياها
نتونس مع البضون ثناياها
وبحسبنا هذا القدر عن الأثافي والرماد والحمام والله أعلم.
[الليل والنجوم]
الليل والنجوم من قديم ما لهج به الشعراء. ولا غرو، فالليل فيه المأوى والهدوء، كما فيه الوحشة والرعب والغوامض المجهولات، من جن وسعال وغيلان. قال ذو الرمة يصف سرى الليل:
بين الرجا والرجا من جنب واصية ... يهماء خابطها بالخوف مكعوم
للجن بالليل في أرجائها زجل ... كما تناوح يوم الريح عيشوم
(١) قصة المحلق وتاجوج معروفة بالسودان وكلاهما من قبيلة الحمران من فروع الكواهلة، كانت. تسكن منطقة نهر سيتيت. وقد فرقت بين المحلق وتاجوج صروف الدهر في خبر طويل فظل يتغنى بها وقوله: دارًا، أي دارها. ولداياها أي أثافيها المفرد لداية والجمع لدايات ولدايا وأصله من أداة صغرت فقالوا أداية ثم أدخلوا أل التعريف وأدغموا لامها في الهمزة ثم نسوا التعريف فنكروا ما كانوا عرفوه. معلاق ما يعلق به. رواياها: قربها التي تحمل الماء. سواياها: مساوئها. نتونس: نتانس. البضون: التي يضئن ثناياها أي ذات الثنايا المضيئة وال موصولة: