والعيب الأساسي في كلام على بن عيسى الرماني، ومن اتبعوا مذهبه، أنهم بنو الجناس على المناسبة بحسب الأصل. فاشترطوا التشابه في الأصل، من دون أن يكون الأصل واحدًا. هذا وقد أعماهم اشتراطهم، كما قد قدمنا، عن أن يفطنوا لأمثال:
أتسلى عن الحظوظ وآسي ... لمحل من آل ساسان درس
مما تشابهت فيه الحروف دون الأصول. وقد كان مذهب النقاد الأوائل من القدماء، أسلم من مذهب الرماني والعسكري وابن رشيق، إذ كانوا يعدون كل ما وقع فيه التشابه جناسًا، أو عطفًا، على حد تعبيرهم. قال ابن رشيق:"ولم تكن القدماء تعرف هذا اللقب -التجنيس-؛ يدلل على ذلك ما حكي عن رؤية بن العجاج وأبيه، وذلك أنه قال له يومًا: أنا أشعر منك. قال: وكيف تكون أشعر مني، وأنا علمتك عطف الزجر؟ قال: عاصم يا عاصم لو اعتصم. قال: يا أبت ... اهـ"(١). ولا يخفى على القارئ ما بين عاصم واعتصم من مناسبة الاشتقاق. وليت ابن رشيق وأصحابه أقلوا شيئًا من التقيد بأسلوب الجدال النظري، وبنوا آراءهم على ما يجدونه في كلام الشعراء، وإذن لكان ذلك قد أغناهم عن تعسف كثير.
[أصناف الجناس الازدواجي]
قد قدمنا في الجناس الازدواجي أنه عبارة عن توازن بين الكلمات، ومثلنا بنحو:"قلب، ورعد، وثابت، ونافس، ومواقيت، وأباريق" ونحو ذلك مما يقع فيه التشابه في أزمان الكلمات وأوزانها. وذكرنا أن الناظمين كثيرًا ما يمزجون بينه وبين السجعي، كما جاء في قول البحتري:"جوب في جنب أرعن جلس". ونريد هنا أن ننبه على أصناف منه كثيرة الورود في مناهج الشعراء: