للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ليس في هذا الألفاظ تجنيسٌ، وإنما اختلفت هذه الكلم للتصريف" (١). وأحسب أن أبا هلال قد اتبع في هذا المزعم رأي الرماني، فقد كان من رجال عصره، متأخرًا هو عنه شيئًا. وقد ذكر ابن رشيق رأي الرماني في العمدة، قال (٢): "وحقيقة المجانسة عند الرماني: المناسبة بمعنى الأصل، نحو قول أبي تمام:

في حده الحد بين واللعب

قال: لأن معناها جميعًا أبلغ. وأما قولك: قرب واقترب، والطلوع والمطلع، وما شاكل هذا، فهذا، فهو عنده من تصرف اللفظ، ولا بعده تجنيسًا. ومن تصرف المعنى عنده، قولك عين الميزان، وعين الإنسان، وعين الماء، ونحو ذلك. ومن التصرف في اللفظ والمعنى جميعًا، قولك الضرب والمضاربة واستضراب وما أشبه ذلك. كل هذه الأنواع عنده من باب التصرف. وما أكثر ما يستعمل هذا النوع بعض شعراء وقتنا المذكورين، ويظن أنه قد أتى بشيء من غرائب التجنيس أهـ.".

قلت: هذه العبارة الأخيرة من كلام ابن رشيق، وليست من كلام الرماني، وبها تعرف ميل ابن رشيق إلى مذهب الرماني. ولا يخفى أنه لو صح هذا المذهب. لوجب إخراج الشطر الثاني من بيت أبي تمام:

أرامة كنت مرتع كل ريم ... لو استأنست بالأنس المقيم

ونحن إن فعلنا ذلك فإنما نغالط أسماعنا. ولا ريب أن أبا تمام قد أراد المجانسة حين جاء بقوله: "استأنست" وقوله: "الأنس"، وإلا كانت له منادح، كأن يقول:

لو استأنست بالحي المقيم


(١) الصناعتين ٣٢١.
(٢) العمدة ١: ٢٩٩ - ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>