(٢) ربما عن لنا أن نفيض عن الحديث عن أبي العتاهية في موضع آخر من هذا الكتاب. وخلاصة القول فيه أنه كان ذكيا، ولكنه كان فاقدًا للصدق، واتساع الخيال، والأصالة الصحيحة. وقد وقع في وهمه أن الأناقة التي كان يتكفلها أصحابه مرجعها إلى جزالة اللفظ وقوته. وقد أتى هنا من جهة شعوبيته وزندقته. ولو قد كان نظر بمنظار دقيق، لكان أدرك أن أناقة ألي نواس وبشار وأضرابهما ليس مصدرها طلب الجزالة، وإنما طلب الزخرف في اللفظ. ولا أنكر أنه قد تنبه إلى ناحية الزخرف عند معاصريه شيئًا ما. ولكنه حسب أن نقيضها هو التعبير عن الموت والزهد. مع أن نقيضها هو طلب البساطة والوضوح في العبارة، بغض النظر عن الموضوع. وقد كان السيد الحميري، معاصر بشار، أصدق حسا من أبي العتاهية، إذ قد أدرك من أسرار المشكلة ما لم يدركه هذا. وعيب السيد أنه حصر نفسه في موضوع التشيع، وسب الصحابة، وقد كانت عنده الملكة والأداء الجيد، لو قد تعاطى بذلك أصنافًا أخرى من الشعر. أما ناحية النفاق في أبي العتاهية، فتبدو في أنه كان يعيش عيشة مخالفة لدعواه. ثم أنه لم يكن يتعدى في نصائحه الزهدية الأشياء المعروفة، التي عبر عنها الحسن البصري والمتصوفة فيما بعد، تعبيرًا أدق وأعمق وأوسع (راجع أخباره في الأغاني ٣: ١٢٢ - ١٧٦). هذا وراجع حديثنا عن أبي العتاهية الآتي من بعد في الجزء الرابع إن شاء الله تعالى.