للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووضحوه) عن ناحية البساطة والفقر والإدقاع التي كان يبني الوجهاء على أنقاضها لذاتهم وزخرفهم. ولكن تأنق هؤلاء -أعني بشارًا وأبا نواس- كان بلا طريقة، كان نوعًا من الاوتياد والكشف، لا سلوكًا على منهج معبد. وقد حاول مسلم أن يضع معالم هذا المنهج المعبد باستعماله أطرافًا من الجناس والتكرار والتورية والطباق كما في قوله:

موفٍ على مهجٍ واليوم ذو رهج

وكما في قوله:

بجارية محمولةٍ حاملٍ بكر

ولكن مسلمًا حتى في هذا لم يتجاوز طريقة القدماء، من طلب التقسيم المرصع والمترادفات المتشابهة.

فإذا أردكنا ذلك تنبنا بحق أن أبا تمام هو الذي نقدر أن ننسب إليه فضيلة البداية المنظمة في فن الصناعة والزخرفة (١)، والسير بها على سنن هو التعبير الجريء الصادق عن العقلية "الأربسكية" التي كانت حينئذ تغلغلت في صميم المجتمع الإسلامي، وبلغت ذروتها وأوجها في دور الخلافة وقصور العظماء. وإذا تأملنا الوقت الذي كتب فيه أبو تمام ما كتب، وجدناه مطابقًا للوقت الذي استجمعت فيه الحضارة الإسلامية أداتها كاملة. فقد ثبت الفن المعماري على أصول راسخة. وانتظم أمر


(١) لعل أبا تمام لم يخل من نظر إلى طريقة معاصره عبد السلام بن رغبان، المعروف بديك الحن، وانظر أخباره في وفيات الأعيان. وانظر فضلًا للمؤلف عن أبي تمام نشر في العدد الثاني عشر من مجلة المناهل المغربية في شعبان سنة ١٣٩٨ (يوليو ١٩٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>