إن أردنا تشبيه البيئة بشكل هندسي، فأشبه الأشكال بها هو المكعب. ويكون الزمان والمكان بمنزلة الطول والعرض. ويكون المجتمع بطبقاته المتمايزة بمنزلة الارتفاع، والأنسان الواحد واقع تحت أبعاد البيئة الثلاثة معًا، وهي تحدد موضعه من الدنيا، ويضاف إلى كل ذلك نفسه وذاته، وبها يتميز عن سواه ممن ينتمون إلى عصره ومكانه وطبقته الاجتماعية، حتى إن منهم من يكون له أخًا أو توأمًا. والألفاظ تابعة للإنسان لاحقة به، فهي تقع تحت تأثير جميع هذه العوامل التي تفعل فيه، فلا بد من. اعتبارها جميعًا حين نعرض لدراسة الألفاظ، لا سيما ونحن نطلب هذه الدراسة سعيًا وراء القيم الجمالية الفنية المتعلقة بالألفاظ، وهذه القيم تظهر نسبتها جلية، إذا أدخلنا عامل البيئة في حسباننا.
[الزمن]
نحن إذ نتحدث عن أثر الزمن على الألفاظ هنا، إنما نعني أثره على ألفاظ اللغة الواحدة، التي تم نضجها واستواؤها [لو كان يتم لشيء في هذه الدنيا نضج واستواء] وصارت لها قواعد ثابتة، وأصول معروفة، كاللغة العربية مثلًا، إذ الحديث عن أثر الزمن في الماضي السحيق، والحديث عما عسى أن يكون أثره في المستقبل البعيد، يخرج بنا من مجال نقد الشعر إلى فلسفة اللغة، وربما إلى الفلسفة المحضة. وكاتب هذه السطور لا يملك من أدوات ذلك كثيرًا أو قليلا.
وأوضح آثار الزمن في ألفاظ اللغة الواحدة أنه يلعب بحظوظها، فتارة يذيعها، ويشيعها، وتارة يخفيها وينفيها. آنا يقرنها بهذا المعنى، وآونة بذلك المعنى، تبعًا لتباين العصور وتطور الأذواق، وتنوعها بحسب طبقات المجتمع والعوامل الثقافية والنفسانية والأخلاقية التي تؤثر فيها. خذ مثلا أثر العصور في اللغة الواحدة، تجد أن بعض العصور تميل إلى الزخرفة في التعبير، وبعضها إلى البساطة،