للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصنف الثاني من ألفاظ الفصيلة، وهو الفاقد -أو الشبيه بالفاقد- لوصفيته نعني به نحو القريحة والذكاء والطبع [بالتحريك، بمعنى الطمع]، فهذه كلمات بنيت على المجاز والتشبيه. فالذي وضع القريحة، مريدا بها الفطنة، شبه مدلوله بقريحة البئر أو بالماء القراح، ثم استعار المشبه به للمشبه، والذي وضع الذكاء لنفس المعنى، شبه مدلوله بالنار المشتعلة. [إذ أصل الذكاء هو الاشتعال] ثم استعار المشبه به للمشبه]. وواضع الطبع، شبه الطمع الشديد بالصدأ يركب القلب، وأصل الطبع: الصدأ. وواضع كلمة "خفق" للفضاء العريض، أجراها على المجاز المرسل بعلاقة الحالية، لأن الخفق: هو اضطراب الريح. وهلم جرا. وأكثر الكلمات من هذا النوع تنسى أصولها، وتصير رمزية محضة. ولكن بعضها يبقى فيه نفس من أصله الأول. والفحول من الشعراء هم أحرص الناس على تذكر الأصول في هذا الباب، لأن ذلك يعينهم على الدقة في التعبير، التي هي مراد الشاعر. وقل أن نجد منشئًا فحلًا يصف القريحة بأنها وقادة، أو الذكاء بأنه منساب فياض متدفق، وإن كان مثل هذا يجوز بعد اكتشاف النفط، فهو سائل ومشتعل.

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

وأما القسم الرمزي من الألفاظ، فهو نحو: "أسد، وبيت، وسمكة، وسافر، ومسافر، وثمر، وزهر، وأزهر، وفرحان، ومجتهد"، وأكثر هذه الجوامد والمشتقات التي تدور في اللغة. وغير خاف أن الدلالة فيها جميعها ترجع إلى التواضع والإصلاح. ولو كانت وضعت "حمارًا" أو "سبح" لمدلول "ذهب" لجري العرف على ذلك. والراجح أن أكثر هذه الكلمات لها أصول وصفية، ولكن الزمن قد جر عليها ذيل العفاء. فهي الآن رموز لا أكثر ولا أقل. وهذه لا يعقل أن توصف ذواتها بحسن أو قبح.

<<  <  ج: ص:  >  >>