ولك أن تسميه التكرار الخطابي، لأن الشعراء أكثر ما ينحون فيه منحى الخطابة وهو نوعان: ملفوظ، وملحوظ. فالملفوظ ما ألح فيه الشاعر على استعمال كلمة بعينها، أو كلمة مقاربة لها في الاشتقاق. والملحوظ ما استعمل فيه الشاعر كلمات مترادفة أو متشابهة المعاني. فمثال الأول قول المهلهل:
يا لبكر أنشروا لي كليبا ... يا لبكر أين أين الفرار
فقد كرر الشاعر "بكرا" ليقرر المعنى التفصيلي، وهو قصده إلى بكر بالتهديد ثم كرر اسم الاستفهام "أين" ليبالغ في تهويل معنى تفصيلي آخر، وهو تعذر الفرار. ومثال آخر من هذا الضرب، قول الحسين بن الضحاك الخليع:
سألونا أن كيف نحن فقلنا ... من هوى نجمه فكيف يكون
نحن قوم أصابنا حادث الدهر فظلنا لريبه نستكين
ننمنى من الأمين إيابا ... لهف نفسي وأين أين الأمين
فتكرار كيف في البيت الأول، فيه إشعار بتأكيد تغير الحال من الحسن إلى القبح، وتكرار "نحن" فيه معنى رثاء النفس. والصلة بين تكرار اسم الأمين واسم الاستفهام "أين" ومعنى التحسر الذي أراده الشاعر، كل ذلك بين جلي. ومما يحسن