للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على طرق فيها على الطرق رفعة ... وفي ذكرها عند الأنيس خمول

فما شعروا حتى رأوها مغيرة ... قاحا وأما خلقها فجميل

سحائب يمطرن الحديد عليهم ... فكل مكان بالسيوف غسيل (١)

وأمسى السبايا ينتحبن بعرقة ... كأن جيوب الثاكلات ذيول

وعادت فظنوها بموزار قفلا ... وليس لها إلا الدخول قفول

وكرت فمرت في دماء ملطية ... ملطية أم للبنين ثكول

وأضعفن ما كلفنه من قباقب ... فأضحى كأن الماء فيه عليل

ورعن بنا قلب كأنما ... تخر عليه بالرجال سيول

يطارد فيه موجه كل سابحٍ ... سواء عليه بالرجال سيول

يطارد فيه موجه كل سابح ... سواء عليه غمرة ومسيل

تراه كأن الماء مر بجسمه ... وأقبل رأس وحده وتليل (٢)

وفي بطن هنزيط وسمين للظبا ... وصم القنا ممن أبدن بديل

وهكذا وهلم جرا. وإبداع المتنبي ذي ذكر المواضع الحربية، وتمكنه من إشعار السامع والقارئ بحركة السير، ومنازل القتال، ومن إطفاء الجلال والجلبة على الوصف، كل ذلك مما لا يجاري فيه ولا يباري.

وبعد، فلعل هذه الصورة الخاطفة قد أعطت القارئ فكرة واضحة عما زعمنا من أن الشعراء قد استعملوا تكرار المواضع والأعرم في تقوية المعاني الصورية اللاحقة بالمدح وصفات القتال، كما استعملوه لتقوية المعاني الصورية اللاحقة بالشجن والحنين وما بمجراهما في النسيب ونحوه.


(١) غسيل: أي مغسول. لما جعل السحب، وهي الخيل، تمطر حديدا، جعل البلاد مغسولة بهذا الحديد، لأنه يريق الدم الأحمر.
(٢) يقول: هذه الخيل تفتحم الماء لا يروعها الضحل ولا العميق، وترى الحصان وهو يسبح، قد غاب كله في الماء إلا رأسه وعنقه، وهو تليه، فكأن الماء أخذ جسمه، وأقبل الرأس وحده مع التليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>