للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحصن الران، وقد كان مثل هذا العدد كافيا للبحتري، وأقل منه يكفي أبا تمام. أما أبو الطيب فهذا إنما كان طرفا من نفسه، وفيه بقية صالحة بعد. أنظر قوله:

حتى وردن بسمنين بحيرتها ... ينش بالماء في أشداقها اللجم (١)

وأصبحت بقرى هنزيط جائلة ... ترعى الظبا في خصيب نبته اللمم (٢)

فما تركن بها خلدا له بصر ... تحت التراب ولا بازا له قدم

لا هزبرا له من درعه لبد ... ولا مهاة لها من شبهها حشم (٣)

ترمي على شفرات الباترات بهم ... مكامن الأرض والغيطان والأكم

وجاوزوا أرسناسا معصمين به ... وكبف يعصمهم ما ليس ينعصم

ولا تصدك عن بحر لهم سعة ... ولا يردك عن طود لهم شمم

وهكذا وهكذا في تيار من القول قؤي مندفع، لا يكاد يصده شيء. ودونك قوله في أخرى من كلماته (٤):

رمى الدرب بالجرد الجياد إلى العدا ... وماعلموا أن السهام خيول

شوائل تشوال العقارب بالقنا ... لها مرح من تحته وصهيل (٥)

وما هي إلا خطرة عرضت له ... بحران لبتها قنا ونصول

فلما تجلى من دلوك وصنجة ... علت كل طود راية ورعيل


(١) جعل الماء ينش، ونشيش الماء: صوته إذا غلا، لأن اللجم كانت محماة من الحر.
(٢) جملة ترعى حالية، والظبا: فاعل ترعى، يقول: جعلت الخيل تجول في قرى هنزيط، وكانت السيوف ترعى مرعى خصيبا: هو الرؤوس التي تنبت اللمم، جمع لمة: وهي شعر الرأس.
(٣) يقول: هذه السيوف لم تغادر أحد إلا قتلته أو سبته، وكان الروم قد اختفوا في مكامن من سراديب فشبههم بالفئران العمى، واحدها: خل، وهي تختفي في الأرض، فقال: إن هذه السيوف لم تترك خلدا ذا بصر إلا قتلته، ولا ظبية تخدمها الظباء إلا سبتها.
(٤) هي ليالي بعد لظاعنين شكول.
(٥) شوائل بالقنا: أي رافعة للقنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>