للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الراجع الخيل محفاة مقودة ... عن كل مثل وبارٍ أهلها إرم (١)

كتل بطريق المغرور ساكنها ... بأن دارك قنسرون والأجم

وظنهم أنك المصباح في حلب ... إذا قصدت سواها عمها الظلم

والشمس يعنون إلا أنهم جهلوا ... والموت يدعون إلا أنهم وهموا

فلم تتم سروج فتح ناظرها ... إلا وجيشك في جفنيه مزدحم

والنقع يأخذ حرانا وبقعتها ... والشمس تسفر أحيانا وتلتثم

سحب تمر بحصن الران ممسكة ... وما بها البخل لولا أنها نقم

جيش كأنك في أرضٍ تطاوله ... فالأرض لا أمم والجيش لا أمم

إذا مضى علم منها بدا علم ... وإن مضى علم منه بدا علم

وشزب أحمت الشعري شكائمها ... ووسمتها على آنافها الحكم (٢)

ولا أكاد أمسك قلمي عن الاستطراد في هذا الموضع -وألفتك أيها القارئ الكريم إلى هذه الجلبة والضوضاء التي يخلقها الشاعر خلقا، لينقلنا إلى جو المعمعة. ولا أظن أن المعامع التي شهدها أبو الطيب مع سيف الدولة كانت هذا الهول الذي يصفه، ولا أن خليه كانت كما يزعم الشاعر، تزدحم في أجفان المواضع قبل أن ننم فتح نواظرها، ويستر غبارها الشمس، فتسفر أحيانا وتلتثم، ويباري سحابها السحاب في التحليق على آفاق البلاد، ويطاول الأرض، فإن مضى منها علم بدا منه علم- لا أظن أن الواقع كان يشبه شيئا من هذا إلا في صورة مصغرة. وإنما قد كانت المعمعة حقا في صدر المتنبي، وفي خفايا نفسه. ولعلك بعد قد تأملت هذا السرد العنيف القوي للمواضع- وبار، وتل بطريق، وقنسرين، وسروج، وحران،


(١) أي هو -يعني سيف الدولة- يرجع الخيل وقد كلت ووجيت، يقودها الفرسان من بلاد خربت، حتى صارت كل واحدة منها مثل وبار البائدة، التي كانت تسكنها إرم.
(٢) الشزب: هي الخيل. والشعرى تبدو في الصيف. والحكم، جمع حكة: وهي ما يزم به أنف الحصان من اللجام، أو هي حديدة اللجام.

<<  <  ج: ص:  >  >>