للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباهي الذي كان يتغنى به عند مدح قصور المتوكل وبحيراته، ثم (١) أقدم على سرد أسماء المواضع الفارسية سردا شبيها بمسلك الجاهليين في أوائل النسيب وذكر الأطلال، مع تعمد ظاهر للترنم، وإثارة الشجن؟ (وستعرض للسينية فيما بعد)، ونكتفي هنا أن ننبه القارئ إلى نحو قوله:

فكأن الجرماز من عظم الأنـ ... ـس وإخلاله بنية رمس

وقوله:

مغلق بابه على جبل القبـ ... ـق إلى دارتي خلاطٍ ومكس

وأجرأ من أبي تمام والبحتري كليهما، على استعمال أسماء البلدان الأعجمية وغير الأعجمية، في باب الأوصاف الحربية، وأقدر افتنانا في ذلك، وأملك لتصريفها وإلباسها روحا جزلا قويا، وجعلها تنطق بجلال يفصح كل الإفصاح عن روعة الجهاد، شاعر المولدين والعباسيين، غير مدافع، أبو الطيب المتنبي. فهو، وإن كان زمانه قد تأخر عن عهد الفتوح الجسام أيام المتصم، والملاحم الرائعة على عهد البحتري، فقد شارك في حروب سيف الدولة، وأحسن من الحرب وهولها ما لم يحسه البحتري وأبو تمام، وأوتي من قوة التعبير ووضوحه ونصوعه وجسارته وجزلته، ما قل نظيره بين المحدثين. وكأن عمل أبي تمام وأبي عبادة، إنما كان إعدادا لما سيأتي به هو من روائع. خذ على سبيل المثال قوله (٢):


(١) حين نقول: إن الشاعر انتهز فرصة السبه الخ، لا نريد أن نقرر أنه أمسك بقرطاس وقلم، ثم قال: غرضى فيه نفخة نسيبية، وفيه بكاء على مجد، فدعني أستعمل لغة المجد من ذكر مواضع أعجمية إلى غير ذلك، وأصوغها صياغة النسيب، ثم جعل يثبت على القرطاس، ويمحو في ضوء هذا الخاطر ... كلا، إنما نحاول أن نصف الانفعال يأتي بها الشاعر دفعة واحدة، بعد انفعالات خفية طويلة الجولان في صدره.
(٢) ديوانه ٤: ٥١٧ (العكبري).

<<  <  ج: ص:  >  >>