وقد نظر أبو فراس في رومياته إلى بداوة المتنبي، وحاول مجاراتها. ولكنه كان حضري الذوق، فجاء بشيء أمشاج، يقعقع قعقعة المتنبي، ويطنطن طنطنة البحتري، ولا يبلغ مبلغهما.
[أبو العلا المعري]
قد زعمنا أن شذوذ المتنبي والشريف، مما يعين على برهنة القاعدة التي ذكرناها في الزخرفة ومن أدلة مزعمنا هذا مذهب أبي العلاء المعري، ذلك الشاعر الذي حاول أن يجمع بين النصوع والإغارة على المعني، على النحو القديم، ويضيف إلى ذلك عنصر الزخرف والبديع على النحو العباسي. وقد توفر لأبي العلاء من نفسيته الشاذة الغريبة ما أعانه على هذه المحاولة العنيفة. فقد كان من أقدر خلق الله على النظم، وأعرفهم بوجوه الكلام، وأدراهم بدقائق اللغة، وأشدهم تذوقا لمنهج الجاهلية. ثم إنه قد كان عامر الصدر بالمعاني التي تدعو إلى الإيضاح والوضوح والنصوع، إذ قد كان ثائرا على أوضاع المجتمع، متذمرا من حظه المبخوس في هذه الدنيا، ولم يكن يخلو من سخط وحسد لأولئك الذين كانت تكيل لهم الأقدار السعادة كيلا غير منقوص. ثم إنه كان طماحا وتواقا، عنيف الرغبات، جسديها وأدبيها (ومن له أدني شك في رغبات المعري الجسدية، فليقرا رسالة الغفران، وليتصيد زلات المعري في اللزوميات، نحو قوله: