وما أشبه ذلك، وما قلنا به من أن إدراك حقيقة إيقاعهن يتم بالغناء والترنم.
فلا تستبعدن هذا. وما كل ما تكاد أذواقنا تنبو عنه من إيقاع القدماء عن جهل بمعدنه هو حقًّا ناب. وضروب التجديد الحديث مما يزيفها أنها لا تصلح للنشيد والترنم، وهذا باب ربما عدنا إلى بعض التفصيل فيه في موضعه إن شاء الله.
[الإيقاع الخارجي]
نعني به الغناء والترنم وهو في كل الشعر أصل. قال أبو نصر الفارابي في كتاب الموسيقي الكبير:«إن الصناعة الشعرية هذا رئيسة الهيئة الموسيقية وأن غاية هذه تطلب غاية لتلك» أ. هـ. هذا القول يدل على ما قدمناه من أن الغناء والترنم أصل بالنسبة إلى الشعر إذ معنى كلمة أبي نصر هذه أن غاية الموسيقا وأكبر آرابها أن تكون النهاية والذروة للشعر. مؤاخاة الألفاظ بوزن البحر والقافية وأصناف الإيقاع الداخلية، كل ذلك هو الخطوة الأولى والخطوة الثانية التوقيع الترنمي الموسيقي الذي من طريقه يكتمل التعبير الشعري.
قد كانت للعرب في الجاهلية طريقة غناء وتجويد في ذلك بدليل كثرة ما جاء من الإشارة إلى ذلك في أشعارهم، كقول الأعشى:
ولقد أغدو على ذي عتبٍ ... يصل الصوت بذي زيرٍ أبح
وقال سلامة بن جندل فيما له روى له غير المفضل:
وعندنا قينه بيضاء ناعمة ... مثل المهاة من الحور الخراعيب