إذا رجعت في صوتها خلت صوتها ... تجاوب أظئارٍ على ربعٍ ردى
يعني شجنها وتحزينها في صوتها.
وذكر أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط في كتاب القوافي أن القصيد كانت تتغنى به الركبان. والغناء أعون على الحفظ بلا ريب يدلك على ذلك كثرة ما يحفظ الناس منه في كل أمة. والطاعنون على رواية العرب يغفلون عن هذا من أمرها كغفلتهم عما كتب وحفظ في خزانات الملوك. ولعمرك أكثر أغاني ألعاب الأطفال إنما يحفظها تناقل الصغار أنغام ترنماتها الأجيال الطوال. وقد سبقت منا الإشارة إلى قول سيبويه في باب وجوه القوافي في الإنشاد «وإنما الحقوا هذه المدة في حروف الروى لأن الشعر وضع للغناء والترنم». أ. هـ. ومما يحسن ذكره في هذا الصدد مما جاء في هذا الباب من كتاب سيبويه، أن نحو
أقلى اللوم عاذل والعتابن
مما تقع فيه النون التي يقال لها نون الترنم في كتب النحو إنما كان يجيء بمثل هذه النون بعض العرب حين لا يترنمون، كأنهم يشيرون إلى أن حقه أن يترنموا به ولكن أمرًا دعاهم إلى أن يجيئوا به كلامًا بلا تغن.
وزعم ابن جني في الخصائص (راجع طبعة دار الكتب بتحقيق النجار رحمه الله ج ١ ص ٦٩ - ٧٠) أن أصحابه، يعني النحويين على رأسهم سيبويه ونحاة البصرة، غفلوا عن وقف الشعر عند نهايات صدور الأبيات قال:
«ألا ترى إلى قوله:
أني اهتديت لتسليم على دمنٍ ... بالقفر غيرهن الأعصر الأولو
وقوله:
كأن حدوج المالكية غدوتن ... خلايا سفينٍ بالنواصف من ددى