بليك على كلام أبي الطيب إن كان اطلع. وليس ذلك في مجال هذه الكلمة. ولمن شاء بعد من النقاد أن يدس رأس الفطنة في رمال من التغافل والإنكار وله كثيب مهيل في باب توارد الخواطر ووقع الحافر على الحافر- حتى حين تكثر الخواطر والحوافر والنسق الطريقي الذي تتوارد فيه.
وليس يصح في الأفهام شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
[المدح والهجاء]
في ما تقدم كثير من المدح والهجاء مما يغني عن سوق أمثلة كثيرة عن هذين الغرضين ههنا. وهما أهم أغراض الشعر. ومن شاء نسب سائر الأغراض إليهما. إذ الغزل مدح، والرثاء مدح، والوصف منه مدح ومنه هجاء، وأبواب من الكلام تتوسط بينهما كالعتاب وضروب من مذاهب المزاح حسب مداناتها السخرية والتهكم والهزؤ وبعدها من ذلك.
وقد ارتبط المدح بالتكسب منذ أيام الجاهلية. حتى امرؤ القيس وقد كان ملكًا وسيد سادات، مدح من أعطاه وهجا من منعه. وهو القائل:
لعمري لسعد بن الضباب إذا شتا ... أحب إلينا منك فافرسٍ حمر
فمدح وهجا في بيت واحدٍ كما ترى. وأهل العصر كأن قد فشا فيهم استنكار المدح وقرنه بالسؤال وإراقة ماء الوجه والخجل للأدب العربي وللشعر العربي من كثرته فيه. وصحف عصرنا هذا ليس لها عمل إلا المدح والهجاء. تفعل ذلك كل يوم. ورجال الصحافة لهم إلى مجامع أهل السياسة حل وترحال ويرغبون ويرغب إليهم ويَرْهبون ويُرْهبون ويَكسبون ويُكسبون. وكذلك كانت حال الشعراء حين كان الشعر هو طريق الدعاية الأكبر. وليس في شيء من ذلك عار. وقد وصف