للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجتهد. وقصارى ما يقدر عليه وهو صادق أن يقول كما قال جرير:

نرى شربًا له شُرع عذاب ... فنمنع والقلوب له صوادي

وهذا مذهب المجيدين من العرب كما سترى إن شاء الله. وهو لعمري مرتقى صعب. ولا أحسب كثيرًا من الأشعار الروحانية المحضة، وإن تأتت لها مثل جزالته، وذلك فرض بعيد، ببالغة مبلغه، ذلك بأن أسرار الاعتراف هي في ذاتها درجة في درجات الروحانية الرفيعة جدًا. وإن لكل مقام مقالاً، والله تعالى أعلم.

[الأثافي والرماد والحمام]

من حق الأثافي والرماد أن يذكرن مع الديار. ولكنهن متصلات الرمزية بالحمام وبالنار وبسائر ما تقدم فلذلك أرجأنا الحديث عنهن إلى هذا الموضع. وإنك قد تعلم أنهم مما يسمون الحمامة ورقاء يعنون لونها الرمادي، ومما يقولون للرماد أورق يعنون لونه الضارب للسواد كلون الحمامة. وقال المعري:

وشكلين ما بين الأثافي واحد ... وآخر مُوف من أراك على فرع

أي رب شبيهين أحدهما بين الأثافي، والآخر على فروع الأراك. فأما الذي بين الأثافي فالرماد، وأما الذي على فروع الأراك فالحمام.

ولا أرى أن المشابهة الحسية في اللون وحدها هي السبب في القرن بين معنى الرماد ومعنى الحمام على هذا النحو الذي ذكره المعري من مذهب العرب، إذ أنت مثلاً لا تشبه نور القمر بالبرص لمجرد وجود البياض في كل. وعندي أن رمزية الحمام التي قدمنا، وصلة الرماد بالأثافي، والأثافي بالمرأة من حيث أن المرأة تعالج القدر، قال الآخر:

وإذا العذارى بالدخان تلفعت ... واستعجلت هزم القدور فملت

<<  <  ج: ص:  >  >>