للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوداع والظعائن]

سنكتفي من هذا الباب بالتنبيه على مكان الحركة من الإيحاء فيه، إذ هو في سعته متصل به كثير مما مرّ وسيجيء، وحسبنا ثلاثة أمثلة. الأول قول زهير:

تبصّر خليل هل ترى من ظعائن ... تحمّلن بالعلياء من فوق جرثم

علون بأنماطٍ عتاقٍ وكلةٍ ... ورادٍ حواشيه مشاكهة الدم

ووركن في السوبان يعلون متنه ... عليهن دل الناعم المتنعم

وفيهن ملهى للصديق ومنظرٌ ... أنيقٌ لعين الناظر المتوسم

بكرن بكورًا واستحرن بسحرةٍ ... فهن لوادي الرس كاليد للفم

جعلن القنان عن يمين وحزنه ... ومن بالقنان من محل ومحرم

ظهرن من السوبان ثم جزعنه ... على كل قيني قشيب ومفأم

كأن فتات العهن في كل منزلٍ ... نزلن به حب الفنا لم يحطم

فلما وردن زرقًا جمامه ... وضعن عصي الحاضر المتخيم

والحركة في هذا لا تخفى. والأبيات مشهورة قد تحدث عنها النقاد فأحسنوا ولا سيما الدكتور طه حسين في حديث الأربعاء وليس وراء مقالته مزيد. وننبه هنا على أشياء من طريقة زهير وسنخ أسلوبه. منها أن المتحدث عنه أُم أوفى حليلته التي بانت، وقد صرح باسمها في المطلع، ثم لما صار إلى نعت الظعائن أخفاها بينهن على منهجه في الحياء والتستر؟ وقوله في البيت الثالث يتأملها وحدها. وقوله «وفيهن ملهى للصديق» فيه تأكيد حسرته، إذ قد كانت هي صديقًا ثم تصرم ذلك، فلم يبق له من حظ في وصلها إلا أن يقيم نفسه مقام الأجنبي فينظر إليها مع صواحباتها ليرى منظر أنيقًا يروق- ومثل ذلك ليس له، إنما له لاعج الذكرى وتحقق معنى البين. ومن أجل هذا ما عرج إلى وصف تنقل القافلة، بكورها بسحرة، واجتيازها وادي الرس، وجعلها القنان وحزنه بيمين ومن بالقنان من محل ومحرم، ونفسه وعشيرته عني. ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>