للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحادرة:

بكرت سميه بكرةً فتمتع ... وغدت غدو مفارقٍ لم يربع

وتزودت عيني غداة لقيتها ... بلوى البينة نظرةً لم تقلع

وهذا نص في النظرة وصداها النفسي. ثم أخذ الحادرة بعد في تفصيل التجربة، فجاء بنموذج المراءاة عند الوداع وأشربه الحركة والحيوية- قال:

وتصدفت حتى استبتك بواضحٍ ... صلتٍ كمنتصب الغزال الأتلع

وبمقلتي حوراء تحسب طرفها ... وسنان حرة مستهل الأذمع

والواضح الصلت عنقها، وثغرها أيضًا صلت واضح. وهنا «استخدام» كما يقول البديعيون، مستكن، يعلمك أنما انصلات جيدها ووضوحه طرف وإكمال لانصلات ثغرها ووضوحه، وقد تحدثت بهذا لتتحدث بذاك معه. والحركة لا تخفى. وقد جعل مقلتيها متصدفتين منصلتتين واضحتين كذلك. إلا أن معهما الوسن، وهو عبء تنوء به خفة التصدف والانصلات. وهذه كما ترى حركة مقابلة لما تقدم، وبطؤها بالنسبة إليه هو الذي مكنه من تأمل المحاجر والمآقي والوجه، وذلك قوله «حرة مستهل الأدمع» - وذكر الأدمع لأن تفتير الوسن فيه إشعار باللوعة والبكاء.

ثم قال بعد، فجاء به ملائمًا لما سبق كل الملاءمة:

وإذا تنازعك الحديث رأيتها ... حسنًا تبسمها لذيذ المكرع

إذ حديثها كأنما هو امتداد لهذه اللوعة وجانب من تعبيرها. وعجز البيت ينبئ بأن الابتسام الذي مازج الحديث أو قطعه تحدث إليه بالقبلات والوداد أو توهم هو ذلك. وهذه غاية ما ناله، فأداه الوهم إلى الأماني فخرج به من تجربة النظرة إلى التشبيه النموذجي لطعم الثغر بالراح يمازحها غريض السارية، ومعنى الراح متضمن أو في بيت سقط من الرواية، ثم اتلأب به من بعد طريق الخروج. وبعد فهذا باب يطول ونعت الوداع والظعائن مما يدخل فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>