كتقاربة. وقسموه إلى تام، وناقص، ومصحف، وخطي، في غير ذلك من القسام. وقد كان هذا النوع من الجناس من أهم أدوات البديع. وقد نبهنا على أن الشعراء المولدين، عمدوا نحوه هو، يقودهم أبو تمام، دون الجناس السجعي، إلحاحًا منهم في طلب التعبير عن الجمال، بأسلوب المعادلات الهندسية اللفظية. وقد بلغ أبو العلاء المعري بهذا النوع ذروته، لأنه ذلله تذليلا جعله يفصح به عن مختلف أحواله، من رضا وسخط وطموح.
خامسًا- ذكرنا أن الجناس المتشابه العباسي، أدى بطبيعته إلى التورية والإيهام. ويمكن أن نقول هنا أن الألغاز لها صلة قوية به. وإن كانت الألغاز ذاتها فنا موغلا في القدم.
[خلاصة عن قيمة الجناس، من ناحية الجرس]
للجناس ما للتكرار من تأكيد النغم ورنته. ويزيد عليه بأنه يوجد نوعا من الانسجام بين المعاني العامة، ورنة الألفاظ العامة. وأضرب مثلا على ذلك بيت المعري:
ويأبى ذباب أن يطور ذبابه ... ولو ذاب في أرجائه عمل الرصع
فالذباب الأول غير الذباب الثاني في المعنى، ولكنه هو بعينه في اللفظ. فهذا التشابه في جرس الكلمتين، يدفع الذهن، لا محالة، إلى التماس تشابه بين معنى الكلمتين، لا، بل يوجد في الذهن نوعًا من التشابه الرمزي بين معنى الكلمتين. وهذا التشابه يقوي الانسجام بين معنى البيت كله، ورنته كله. وأوضح ما يكون هذا الانسجام، في أنواع الجناس السجعي والمتشابه غير التام، التي فيها عنصر من محاكاة أصوات الصور التي ينعتها الشاعر- مثال ذلك قول المتنبي:
وأمواه تصل بها حصاها ... صليل الحلي في أيدي الغواني