للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راجعت فهرس آثاري فما لمحت ... بصيرتي فيه ما يزري بأعمالي

فكيف ينكر قومي فضل بادرتي ... وقد سرت حكمي فيهم وأمثالي

أنا ابن قولي وحسبي في الفخار به ... وإن غدوت كريم العم والخال

ولي من الشعر آيات مفصلة ... تلوح في وجنة الأيام كالخال

ينسى لها الفاقد المحزون لوعته ... ويهتدي بسناها كل قوال

فأنظر لقولي تجد نفسي مصورة ... في صفحتيه فقولي خط تمثالي

ولا تغرنك في الدنيا مشاكلة ... بين الأنام فليس النبع كالضال

إن ابن آدم لولا عقله شبح ... مركب من عظام ذات أوصال

هذه الديباجة الصافية لا نظير لها في الشعر المعاصر. وقد كان البارودي بحقيقة ذلك عليمًا يدل عليه قوله:

ولا تغرنك في الدنيا مشاكلة ... بين الأنام فليس النبع كالضال

من النبع والضال تصنع القوس ولكنهما لا سواء- إذ الضال ذو شوك وثمر والنبع كما قال البحتري:

وعيرتني خلال العام آونة ... والنبع عريان ما في عوده ثمر

وقد اهتدى بسنا البارودي من بعده من القوالين جيل تبعته من بعد أجيال. غير أن نهج قصيدته الأصيل لم يسر حقًا عليه من كبار من حذوا على رونق ديباجته وقصروا عنها أحد. إنما سلكوا نهجًا دعاهم إليه التجديد- وهو نهج أسلوب المقالة، ثم تفرعت عنه فروع أصناف الشعر المعاصر وما إليه.

أسلوب المقالة: أوائله، ثانيًا

جاء في الكتاب النفيس أدب وتاريخ للدكتور محمد صبري السوربوني في ترجمته لإسماعيل صبري (ولد في ١٦/ ٢/١٨٥٤) وتوفي في ٢١/ ٣/١٩٢٣ رحمه الله) (١) في


(١) نقلاً عن الكتاب المذكور ص ١١١ - الفصل الأول من الكتاب الثاني من نفس السفر وفصل الهامش عن حياة صبري، نذكر من ذلك أنه درس بمصر ثم أرسل من مصر إلى فرنسة فنال هناك شهادة البكالوريا ثم الليسانس في الحقوق أي القانون ثم عمل في النيابة العمومية بمصر وبلغ أماكن عالية من مراتب العمل في وظائف الدولة، عين محافظًا لثغر إسكندرية في فبراير ١٨٩٦ - ووكيلاً لنظارة الحقائبة (أي وزارة العدل) من بعد وبلغ غاية ما يبلغه الموظف من مرتبات الدولة سنة ١٩٠٧ فاستقال وأحسبه فرغ من حينئذ كل الفروغ للأدب والشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>