للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ميته: «ردوا على سواد اللمة البالي» وفيها يقول: -

قلبي سليم ونفسي حرة ويدي ... مأمونة ولساني غير ختال

لكنني في زمان عشت مغتربًا .... في أهله حيث قلت فيه أمثالي

بلوت دهري فما أحمدت سيرته ... في سابق من لياليه ولا تالي

حلبت شطريه من يسر ومعسرة ... وذقت طعميه من خصب وإمحال

فما أسفت لبؤس بعد مقدرة ... ولا فرحت لوفر بعد إقلال

عفافة نزهت نفسي فما علقت ... بلوثة من غبار الذم أذيالي

فاليوم لا رسنى طوع القياد ولا ... قلبي إلى زهرة الدنيا بميال

لم يبق لي أرب في الدهر أطلبه ... إلا صحابة حر صادق الخال

وأين أدرك ما أبغيه من وطر ... والصدق في الدهر أعيا كل محتال

لا في سرنديب لي إلف أجاذبه ... فضل الحديث ولا خل فيرعى لي

أبيت منفردًا في ظل شاهقة ... مثل القطامي فوق المربأ العالي (١)

إذا تلفت لم أبصر سوى صور ... في الذهن يرسمها نقاش آمالي

تهفو بي الريح أحيانًا ويلحفني ... برد الظلام ببرد منه أسمال (٢)

ففي السماء غيوم ذات أروقة ... وفي الفضاء سيول ذات أوشال

كأن قوس الغمام الغر قنطرة ... معقودة فوق طامي الماء سيال

إذا الشعاع تراءى خلفها نشرت ... بدائعها ذات ألوان وأشكال (٣)

فلو تراني وبردي بالندى لثق ... لخلتني فرخ طير بين أدغال

غال الردى أبويه فهو منقطع ... في جوف غنياء لا راع ولا وال (٤)

فذاك مثلي ولم أظلم وربتما ... فضلته بجوى حزن وإعوال

شوق ونأي وتبريح ومعتبة ... ياللمحبة من غدري وإهمالي

أصبحت لا أستطيع الثوب أسحبه ... وقد أكون وضافي الدرع سربالي

ولا تكاد يدي تجري شبا قلمي ... وكان طوع بناني كل عسال

فإن يكن جف عودي بعد نضرته ... فالدهر مصدر إدبار وإقبال

علام أجزع والأيام تشهد لي ... بصدق ما كان من وسمي وإغفالي


(١) القطامي الصقر المربأ العالي المكان من جبل نحوه يقف عليه الرابئ والصورة من شعر ذي الرمة وزهير من قبل وقد مرت في الأوصاف.
(٢) برد الأولى بفتح الباء والثانية بضمها وبرد أسمال أي ممزق.
(٣) هنا نظر إلى بحيرية البحتري.
(٤) غيناء بالغين المعجمة فياء مثناة تحتية ساكنة فنون موحدة فوقية فألف المد أي شجرة خضراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>