كأنهن قد غبن إلى الأبد- ولكن الذكرى تعيدهن فهذا ظهورهن من السوبان. ويعمد زهير ههنا إلى مذهب من التسلي بافتعال تجربة المعجب الأجنبي، فيقرب الظعائن البعيدات ويقترح اقتراحًا من اشتهاء بمقابلة ما بين حركة السير، ومقاعدهن عليها الوثيرات القشيبات المفأمات.
ولكنه سرعان ما يضرب عن هذا الهاجس بقوله:
كأن فتات العهن في كل منزلٍ ... نزلن به حب الفنا لم يحطم
وهذه صفة طلل وهو ما بقي في فؤاده من شجن، فتات ذلك الطلل غير أنه لم يتحطم ولكن البين قد تحقق، وشطت نواها واستمر مريرها-
ولما وردن الماء زرقًا جمامه ... وضعن عصيّ الحاضر المتخيم
وذلك كأقصى ما يكون البعد.
والمثال الثاني قول المثقب العبدي:
لمن ظعن تطالع من ضبيبٍ ... فما خرجت من الوادي لحين
مررن على شراف فذات رجلٍ ... ونكبن الذرانح باليمين
وهن كذاك حين قطعن فلجأ ... كأن حمولهن على سفين
يُشبهن السفين وهن بخت ... عراضات الأباهر والشؤون
وهن على الرجائز واكناتٌ ... قواتل كل أشجع مستكين
كغزلان خذلن بذات ضالٍ ... تنوش الدانيات من الغصون
ظهرن بكلةٍ وسدلن أخرى ... وثقبن الوصاوص للعيون
وهن على الظلام مطلبات ... طويلات الذوائب والقرون
أرين محاسنًا وكنن أخرى ... من الأجياد والبشر المصون
ومن ذهبٍ يلوح على تريبٍ ... كلون العاج ليس بذي غضون