للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللاتينية لم يلحقه التجويد إلا بعد القرن الحادي عشر ولذلك احتاج الكاتب إلى أن يحصر الأخذ عنه مما كان يسمع في أناشيد الكنائس. ونظرية التأثر بنشيد الكنيسة ضرب من فرار عن بيان الحقيقة قديم. ولم يعد الكاتب ههنا مجرد الاحتراس بذكره وقد ذكره بتمريض يدل عليه قوله «simply» وشتان ما بين أناشيد الكنيسة اللاتينية آنئذ وما بين شهر الطروبدوريين في حرارة معانيه وبراعة أسلوبه ومدى تصنيعه وقد جزم السير وليم جونز Sir William Jones المستشرق الكبير (١٧٤٦ - ١٧٩٤) في رسالة له عن الشعر الشرقي يأخذ هؤلاء من إسبانيا العربية.

وذهب إلى ذلك أيضًا الكاتب الفرنسي ستندال في رسالته عن الحب، وقد كان على العربية إقبال مجدد بين أفذاذٍ من طبقات أهل الفكر الأوروبيين في القرن الثامن عشر الميلادي ومن بعد كما لا يخفى (١) على أن مقامات الحريري من بين سائر أصناف البديع العربي مما ذاع وطبقت شهرته الآفاق. وإقبال الإفرنج الأول على الترجمة من العربية والأخذ منها قد كان أوجه في القرن الحادي عشر والثاني عشر إلى الثالث عشر والرابع عشر وكل أولئك عصور ازدهر فيهن البديع العربي بالمشرق والمغرب في الأندلس وشمال أفريقية وحيث كان العرب في صقلية وجنوب إيطاليا وقد كان بعض المترجمين من العربية ربما انتحلوا ذلك لأنفسهم ونسبوه إلى مؤلفين من اليونان القدماء وهميين ولعل الخوف من أن يتهموا عند الكنيسة بالهرطقة قد كان من بعض أسباب ذلك.

هذا ونعود إلى ما كنا قدمناه في معرض حديثنا عن غرابة أوزان:

هل بالديار أن تجيب صمم

وكلمة عبيد:

أقفر من أهله ملحوب


(١) () أحسب أنه كان ثم صدود متعمد عن الاعتراف بفضل العرب مصدره رعب الكنيسة من الإسلام وفرط كراهيتها له.

<<  <  ج: ص:  >  >>