مدلولات هذه الكلمات، صفاتها الواضحة، المدركة بالحواس، وحاول تقليدها بحروف فيها مشابه من هذه الصفات: واضع زحير، وزفير، وصهصلق، ونهيق، وصلصلة، وخرير، ونظائرها، مثلا، راعي ناحية الصوت في المدلولات، فقلدها بحركات وسكنات تشابهها. وواضع خشن وأملس، التمس محاكاة الملاسة والخشونة بالأحرف المكونة لهاتين الكلمتين. ولا شك أنه اهتدى إلى هذه الأحرف بعد موازنة أثرها في حلقة ومجاري صوته، بالأثر الذي أحسه إصبعه أو جلده من مقاربة الأشياء الملس، والأشياء الخشنة. وواضع زمهرير لابد أن يكون أراد محاكاة الرعدة التي تحدث من البرد، بأحرف ترتعد لها أسلة لسانه، أو تجاويف حلقة. وأمثال هذه الكلمات التي ذكرناها، موجودة في سائر اللغات، نحو كلمة Hiss ولفظة Bang و Flash الإنجليزيات. والحديث العهد بالعربية، كالحديث العهد بالإنجليزية، يحس في كل هذه الكلمات التي قدمناها تعبيرًا قويًا، ويقبلها بمجرد تلقيه لها. ولو أمكن أن توصف لفظة بالحسن لذاتها، لكان هذا النوع من الألفاظ أولى شيء بهذا الوصف، لأنها ليست مجرد رموز، وإنما كل واحدة منها قطعة فنية في ذاتها. والذين يقولون بأسبقية الشعر على النثر، يرون فيها حجة قوية لهم. إذ أن واضعها لابد أن يكون قد أحس بشعور قوي إزاء المدلولات التي صاغها من أجلها، ولابد أن سامعيه قد أدركوا مراده بمجرد نطقه بها - فإن لم يكن هذا شعرًا، فماذا يكون؟ والراجح عندي أن هذا النوع من الكلمات كان أسبق إلى الوجود من غيره. لا أعني في صيغته هذه النهائية التي نلقاه في قواميسنا، ولكن في صيغته الأصلية الأولى قبل أن تتلاعب به يد الزمن.
غير أن أمرًا واحدًا يمنعنا هذا النوع من الألفاظ بالحسن المتأصل. وهو أنه عرضة للاستعمال السيء، كما أنه عرضة للابتذال وعوامل التطور التي يخضع لها كل شيء.