هذا وأحسب تشبيه عين المرأة بعين الخاذل وعين البقرة الوحشية والظبية والجؤذر أصله من شبه الحمامة أو قل من صلة الحمامة بالورد والخصوبة والمأوى والوداعة. ولعل في الجمع بين الحمام والغزلان في الأمن بحرم مكة شيئًا من هذا المعنى. وقد ذكر زهير القطاة (والقطاة من الحمام) لما نجت من الصقر فقال:
ثم استمرت إلى الوادي فألجأها ... منه وقد طمع الأظفار والحنك
حتى استغاثت بماء لا رشاء له ... من الأباطح في حافاته البرك
كما استغاث بسيء فز غيطلة ... خاف العيون فلم يُنظر به الحشك
والشاهد عندنا هذا البيت الأخير الذي يشبه فيه زهير حال القطاة بعد أن أمنت في الوادي، وصارت إلى ماء سائح على وجه الأرض، في حافاته الطير الصغار، بحال فز الغيطلة أي ولد البقرة الوحشية حين يخاف العيون فيفزع إلى أمه يستغيث بسيئها أي ما في ضرعها من لبن قبل أن يمتلئ ذلك الضرع ويحتفل، (وهذا هو معنى الحشك)، والمقصود بالتشبيه من ولد البقرة ههنا عيناه، إذ فيهما الدلالة على خوفه. ونحو هذا المعنى قول ابن أبي ربيعة:
وترنو بعينيها إلي كما رنا ... إلى ربرب وسط الخميلة جُؤذر
وإنما يرنو الجؤذر إلى الربرب لأن أماته فيه، وفي نحو هذه النظرة حنان كثير.
وفي ولد البقرة الوحشية واستغاثته بضرع أمه يقول أبو العلاء:
إذا شرب الأرفي مال به الكرى ... إلى سدرة أفنانها فوقه تغطو
والأرفي لبن الأروية وهي ظبية الجبال.
وولد الظبية تصفه العرب بالخرق والتناوم والنعاس، وبذلك أيضًا يصفون منعمات العذارى، قال المرار:
والضحا تغلبها رقدتها ... خرق الجؤذر في اليوم الخدر