للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحراوية جافة، لابد لقاطنها من طلب النجعة والحل والمرتحل. ولم يكن النساء يصطحبن في أكثر ذلك، إنما كن يصطحبن عند الظعن إلى المربع، وعند الانصراف منه إلى المقام، وحين يدعو داع من دين أو عرف أو معرة جوع أو خوف.

وكأن أهل القرى من العرب -وقد يتبادر إلى الظن أن يؤثروا الإقامة- كثيري الأسفار وكان منهم من هم أشد إبعادًا لمدى الرحلة، من أبدى البدو، وأقل اصطحابًا للنساء مثل أهل مكة والطائف. ولقد كان أهل يثرب وهم فلاحون -والإقامة والفلاحة صنوان- مما يرتحلون كثيرًا بين صنمهم مناة وبني عمهم غسان في مشارف الشام، وقد كانوا بعد على صلة بتجارة قريش ومن إليها في طريقها إلى الشام:

ولقد كان من العرب كما قدمنا من ركبوا البحر وألفوا سفره ووصفوه كأهل عمان والبحرين. قال طرفة:

عدولية أو من سفين ابن يامنٍ ... يجور بها الملاح طورًا ويهتدي

وكانت قريش، كما ألمعنا، تركب البحر وتعرفه، ولم يكن سبيلها إلى الحبشة إلا عليه وذكر البحر في القرآن كثير، ونعته بليغ، قال تعالى في سورة هود من صفة السفينة {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} وقال تعالى في يونس {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} - وموضع ضمير المخاطب لا يخفي. وقال تعالى في الشورى {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} وفي الدخان {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} وفي الصافات {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}. وما أحسب ما يذكر من نعت عمرو بن العاص للبحر كأن أول المامة له به كانت بمصر إلا باطلاً لما نعلمه من ركوبه البحر إلى الحبشة، وكيده لعمارة بن الوليد ثم كيده للمسلمين هناك وأرى أن عبد الله بن أبي السرح إنما نبهه إلى عمل الأسطول

<<  <  ج: ص:  >  >>