سابق خبرته بتجارة قريش في البحر ومثل هذا قد يقال في معاوية رضي الله عنه أيضًا:
هذا وقد كانت العرب، مع ما تدعوهم إليه من دواعي الاقتصاد والبيئة والحج، أو قل من أجله، مولعين من حيث هم أفراد بالسفر. وكان مما يزيد ولعهم به -على ما فيه من كلفة ومشقة وحرمان وخطر- ما تعلموه في ألفته من معنى الحرية الفردية والمساواة الإنسانية، إذ السفر يتيح من ذلك ما لا يتيحه غيره، ولاسيما سفر الصحراء. ولقد أجمع الرحالون الإفرنج الذين صحبوا البدو وعاشروهم في هذا القرن وفي الذي قبله، على قريب من هذا الذي نذهب إليه من كلف العرب بالرحلة وتعلقهم بالحرية الفردية، وذكر سيذجر في معارض ملاحظاته أن العربي من أحرص شيء على رحلة يرتحلها وحده أو في جماعة، وقطع بأن علة ذلك طلبه للحرية لا غير.
ولم يكن العربي ليخلو بحال من ذريعة يتذرع بها إلى السفر من نذر أو حج أو عمرة أو زيارة صنم أو حكم أو عراف أو طلب غارة أو قصد سوق. وذكر التوحيد في الأمتاع والمؤانسة أن أسواق العرب كانت تقام فيما بين دومة الجندل إلى حجر فعدن أبين فصنعاء فعكاظ. وكانت العرب تجتمع إلى هذه الأسواق من كل صوب. ولا يبعد أن بعضهم ربما قصدها جميعها أو أكثرها.
ثم الوفادة كانت من أدعى ما يتوصل به إلى السفر، وقد يفدون جماعة كما في خبر عبد المطلب وقومه إذ وفدوا على سيف بن ذي يزن، وأشياخ القبائل إذ أوفدهم النعمان على كسرى، وامرئ القيس وصحبة إذا وفدوا على قيصر. وقد يفدون أفرادًا كما وفد النابغة إلى الغساسنة والمناذرة، وحسان، وكما كان يفد عروة الرحال والأعشى- قال أمية بن أبي الصلت يمدح سادات من قتلوا ببدر: