فمدح كما ترى بالوفادة وأبعاد مدى الأسفار، وزعموا أن دعموصًا هذا كان دليلاً ماهرًا، فضُرب به المثل فقيل أهدى من دعيميص.
ولقد كان من أمر الوفادة أن العربي إذا سمع بسيد سمح جزل، ملكًا كان أو غير ملك، شد الرحال إليه، فإن أنجح مدح، وإن أخفق ذم، وقد يعطى صفة الرحلة أكبر نصيب إن كان شاعرًا ونظم في ذلك قصيدة. وهذا باب سنعرض له إن شاء الله.
وفي مصداق هذا الذي نقول به من حب الوفادة بعض ما كتبه سذجر. وقال الأعشى، وكان ممن يفدون على الملوك والسوقة، يذكر قيس بن معد يكرب:
ونبئئت قيسًا ولم أبله ... كما زعموا خير أهل اليمن
فجئتك مرتاد ما خبّروا ... ولولا الذي خبّروا لم ترن
فهذا نص كما ترى. ولا يقدحن فيه أنه للأعشى، إن احتج محتج بالمشهور من وفادة ذلك الشاعر. فقد كان بلسان دهره وبيئته ينطق، وكانت منزلته تحل له من ضروب القول، وتحبوه من القة ما لا يتأتى لغيره. ولقد رام تقليده ذو الرمة حيث قال:
سمعت: الناس ينتجعون غيثًا ... فقلت لصيدح انتجعي بلالاً
فعيب عليه. وإنما لحقه العيب من حيث إنه تردد فلم يستشعر في نفسه مثل ثقة الأعشى، وأبهم فلم يصرح ببعض ما هم به كتصريحه، على أن بيته هذا لا يخلوا من معنى حسن، إن صرفت جانبًا منه إلى أنه سمع بانتجاع الناس لغيث من الغيوث، فآثر ألا ينتجعه معهم ولكن ينتجع بلالاً. ومثل هذا لا يبعد تصوره في مذهب ذي الرمة.
ولجرير في نحو من نمط الأعشى، وكانت منزلته مما تجرئه على ذلك:
إليك رحلت يا عمر بن ليلى ... على ثقةٍ أزورك واعتمادا