تعود صالح الأعمال إني ... رأيت المرء يفعل ما استعادا
تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد إبيك زادا
وهذا كأنه تعريض بما كان استحدثه عمر من حرمان الشعراء.
هذا ولا يخفى على القارئ الكريم بعد أن العربي قد كان في أكثر هذه الرحلات التي يتجشمها، طائعًا مختارًا، أو خاضعًا لدواعي البيئة الصحراوية لا سبيل له إلى ما يحل له من النساء فضلاً عن غيرهم، وأتى بذلك مع العنق المسيطر، والإدلاج بعد التأويب، أو كما قال علقمة:
هداني إليك الفرقدان ولا حبٌ ... له فواق أصواء المتان علوب
بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيض وأما جلدها فصليب
تراد على دمن الحياض فإن تعف ... فإن المندى رحلة فركوب
وما كان ما تلقاه ناقة علقمة إلا طرفا مما كان يلقاه هو، وإنما كنى بها عن نفسه.
فإذا أضفت إلى هذ الذي قدمنا -مما فرضته ظروف البيئة ومذهبهم في حب السفر- ما كانوا عليه أيضًا من التشدد في الغيرة على النساء، تبين لنا مدى الحرمان الذي كان يحيط بهم، وما كان يقاسيه أولو الإحساس والذوق المرهف خاصة.
ولا يكاد يداني العرب أحد في شدة الغيرة. وذلك أنهم اجتمعت فيهم عوامل عدة مما يدفع إليها دفعًا. من ذلك مثلاً أنهم كانوا يرون المرأة كالمتاع، فيحرصون عليها كما يحرص على المتاع، ومن شواهد هذا من رأيهم أنهم كانوا يسمونها «ثقلاً». ومنها أنهم كانوا يؤلهون الخصوبة، ويعبدونها في أمثال اللات والعزى ومناة، ويتقربون إليهن بالضحايا، فكانت العبادة مما يضفي على الحرص الاقتصادي ألوانًا من التقديس. وقد كان لهم من العادات في باب الخصومة ما يناقض معنى الغيرة في