للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن عجيب تداخل المعاني أن اللفظ المراد لبعضها متى كثر عليه توارد المجاز ربما آض إلى ضده، بل ربما آض المعنى نفسه إلى ضد مدلوله. كالذي قدمناه من كثرة الشعر، فقد نعتوا به راعي الضأن وهو رم البله والغباء، كما نعتوا به الفاتك الجاسر. وبكلا التأويلين أولوا قول تأبط شرًا:

فذاك همي وغزوي أستغيث به ... إذا استغثت بضافي الرأس نغاق

كالحقف حدأه النامون قُلت له ... ذو ثلتين وذو بهم وأرباق

وقالوا في الكثير الشعر هديل، وأنشدوا (راجع اللسان):

هدان أخو وطب وصاحب عُلبة ... هديل لرثات النقال جرور

أي يجر النعال الرثة من بؤسه وعوزه. فتامل.

هذا وقصة الهديل التي قدمنا مأساة في ظاهرها، ومن أجلها جعل صوت الحمامة نوحًا وجعلت الحمائم نائحات. قال أبو ذؤيب الهذلي:

وإن دموعي إثره لكثيرة ... لو أن الدموع والبكاء يريح

فوالله لا ارزا ابن عم كأنه ... نُشيبة مادام الحمام ينوح

وقال أمية بن أبي الصلت:

ألا بكيت على الكرام بني الكرام أولى الممادح

كبكا الحمام على فُروع الايك في الغصن الجوانح

يبكين حرى مستكينات يرحن مع الروائح

أمثالهن الباكيات المعولات من النوائح

هذا ولا يخلو تشبيه الحمامة بالنائحة من لون غزلي، وكذلك تشبيه النائحة بالحمامة، وقد أشرنا إلى شيء من قري هذا المعنى في المرشد (١ - ١٨٨) بمعرض

<<  <  ج: ص:  >  >>