للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التطور المعنوي (وإن يك تدهورًا من حيث الصناعة) يؤيده ما يذكره المفسرون من أن الأصنام التي تحدثنا عنها آنفًا، كانت في اليمن، وفي اليمن كما تعلم الحذق العربي والصناعة وغير قليل من تراث المدنية والحضارة.

هذا، ويبدو أن هذه الأصنام لما صارت هي أو نظائرها إلى شمال الجزيرة، حيث البداوة والصحراء الجدبة، اعتيض عن إتقانها بمجرد الرمز لها. يقوى هذا الوجه الذي نراه أن الرواة لا يذكرون لمناة أو العزى أو اللات صورًا معينة، وإنما كن أصنامًا لإلهة مؤنثات. وابن إسحق يذكر أن اللات كانت عليها حلي من ذهب وجزع ولا يذكر أنه كان لها وجه امرأة (١) ولا يستبعد أنه كان لها وجه ما، وقفًا ما، وإشعارها بالأنوثة، على النحو الذي يكون في الرموز الوثنية البدائية. وقد يقوى هذا الحدس ما ذكره ابن إسحق في خبر أصنام الكعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جعل يهدمها، فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه (٢) فهو كما ترى يذكر ههنا للأصنام وجوهًا وظهورًا.

هذا، وكما رمزت العرب لإلهتها بالأصنام، رمزت لها أيضًا بكائنات محسوسة من الحيوان والنبات. فمما رمزوا به من الحيوان للمرأة العقاب، ولا ريب أنهم كانوا يؤلهونها كما يؤلهون النسر. وقد ذكرت الشعراء العقاب في الكناية عن المرأة، قال نصب (٣)

ألا يا عقاب الوكر وكر ضرية ... سقتك الغوادي من عقاب ومن وكر

تمر الليالي والشهور ولا أرى ... مرور الليالي منسياتي ابنة العمر

نقول صلينا واهجرينا وقد نرى ... إذا هجرت أن لا وصال مع الهجر

وقد ذكرت أيضًا القلوص في الكناية عن المرأة. وقد كانت الناقة مما ألهته


(١) السيرة ٤ - ١٩٩.
(٢) نفسه ٤ - ٢٧.
(٣) الأمالي بولاق ٢/ ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>