للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن فاقتلني فلا أرجع أحث ناقتي إلى دياري بسوطي، إن كنت حقًا تعتقد أني جئت بشيء تكرهه، إنما وصفت كما أمرتني وأما الهجاء فهو قول افتراه على من تعلم، وهو لك حاسد، ولفضلك جاحد.

إذن فعاقبني ربي معاقبة ... قرت بها عين من يأتيك بالفند

لم يكتف النابغة بقوله «إذن رفعت سوطي إلى يدي» وهو الموت، ولكن جاوزه إلى ما يكون أشد من عقاب المولى الذي يعلم السرائر، وذلك ما لن يكون، كما لن يأتي بالحسد والفند أحد وتقر عينه بأن يرى النابغة حل به عقاب الله، لأن هذا الآتي بالحسد والفند هو نفسه قد حل به عقاب الله.

هذا لأبرأ من قول قذفت به ... طارت نوافده حرا على كبدى

ثم مضى في تبرئة نفسه، وعاد إلى مدح النابغة فشبهه هذا التشبيه الرائع بالفرات:

فما الفرات إذا جاشت غواربه ... ترمي أواذيه العبرين بالزبد

يمده كل واد مترع لجب ... فيه ركام من الينبوت والخضد

يظل من خوفه الملاح معتصما ... بالخيزرانة بعد الأين والنجد

يوما بأجود منه سيب نافلة ... ولا يحول عطاء اليوم دون غد

أنبئت أن أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد

وهذا البيت بارع- إن شاء النعمان حمله على أن النابغة قدم إليه على خوف منه لما سمع بوعيده. وإن شاء جعله اعتذارًا عن ابتعاده عنه ولجوئه إلى الغساسنة. وقد علم النابغة أنه قد بلغ ما أراد من استلال سخيمة النعمان بهذا القول الصافي والعتاب النبيل والاعتذار المشرق.

هذا الثناء فإن تسمع لقائله ... فما عرضت أبيت اللعن بالصفد

والصفد أي العطاء دليل القبول، فقد عرض به كما ترى. وتأمل مكان هذا البيت، أليس كمكان بيت علقمة:

وفي كل حي قد خبطت بنعمة ... فحق لشأش من نداك ذنوب

<<  <  ج: ص:  >  >>