ذلك دون صاحبه جرير في قوة الرنين وإيحائيته. وكذلك نجد إذا وازنت ابن الرومي بالبحتري، والشريف الرضي بأبي الطيب المتنبي.
وإذا تأملنا قول جرير مثلاً:
دعوتك واليمامة دون أهلي ... ولولا البُعد أسمعك المنادي
على علياء ترفع نار خير ... وتقدح بالوري من الزناد
إذا ما خفت رد إلي نفسي ... وصار إلى مساكنه فؤادي
لم نجده زاد في التنويع الزحافي على (مفاعلين) في أول العروض أو الضرب. ومع ذلك نحس في أبياته هذه طربًا شديدًا ورنينًا عظيمًا، ومع هذا الرنين إيحاء وجدانيًا يصل إلى سويداء القلب. ولا ريب أن هذا منشؤه من الصياغة الموسيقية التي التزمها الشاعر، حيث أعطى كل ضربات تفعيلاته ألوانًا تناسب معاني نفسه من الحركة والسكون واللين والمد والإشباع وأصوات الحروف. وإنما تجيء أصوات الحروف بعد ما قدمناه، ومتى صار الشاعر إليها فقد دنا من الكلمات والبيان اللفظي المحض.
ولا أكاد أرتاب أن الشاعر ربما جاش المعنى في نفسه بشيء من هذا القري أول الأمر: