للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد فانه لا يخفى أن التقسيم بحسب ما عرفه ابن رشيق وأضرابه كالعسكري (١)، يختلط أمره بالمقابلة. ولذلك ما زعم ابن رشيق في حديثه عن المقابلة أنها بين الطباق والتقسيم. وكأنه أراد بهذا الوصف الدقيق الرشيق، أن يقيس مالا يمكن أن يقاس. وقد سبق لنا أن ذكرنا تعريف القدماء للمقابلة، بأنها إعطاء كل شيء حكمه. فهل ترى هذا، وبين قولهم في التقسيم إنه استقصاء الشاعر أقسام ما ابتدأ به، كبير فرق؟

وإذا نظرت في أبيات بشارٍ السابقة، تنتقد حكم ابن رشيق وأصحابه عليها، وجدت أن الذي زعموه من تقسيم في البيت الأول:

بضربٍ يذوق الموت من ذاق طعمه ... وتدرك من نجى الفرار مثالبه

ليس بتقسيم حقًا، وإنما هو مقابلة بين الموت والحياة الذليلة، يشفعه توازن بين المصراعين الأول والثاني. وأما البيت الثاني:

فراح فريقٌ في الإسار ومثله ... قتيلٌ ومثل لاذ بالبحر هاربه

ففيه تقسيم، ولكنه ليس في تعداد حالات الفرار والإسار والقتل كما زعموا، وإنما في هذه الموقف اللسانية، التي جزأ الشاعر عليها وزن بيته.

وتأمل هذا المثال مما يستشهدون به على التقسيم، وهو وصف امرئ القيس للفرس:

إذا أقبلت قلت دباءةٌ ... من الخضر مغموسةٌ في الغدر

وإن أدبرت قلت أثفيةٌ ... ململمةٌ ليس فيها أثر

وأن أعرضت قلت سرعوفةٌ ... لها ذنبٌ خلفها مسبطر


(١) راجع الصناعتين: ٣٤١ الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>