للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استشهدنا بهذه الأبيات من قبل، وشرحناها في معرض الحديث عن الجناس الازدواجي، وبينا موضع التكرار فيها، ومكان التوازن بين أقبلت وأدبرت.

وعندي أن وصف الشاعر لحالات الفرس المختلفة، كما فعل امرؤ القيس، ليس بتقسيم، وإنما هو موازنة ومقابلة. ومن عجبٍ للقدماء عدهم هذا ونحوه تقسيمًا؛ والمقابلة - وهي كما وصفوها إعطاء كل شيء حكمه - أصدق عليه. والتقسيم في هذه الأبيات، لو تأملته، قليل، وهو عند مواقف اللسان، في: أقبلت، وأدبرت، وأعرضت. وأحسب أن الذي راع الأوائل من كلام امرئ القيس هذا، هو عنصر الموازنة الناشئة من المقابلة والتكرار والطباق والتقسيم في أوائل الأبيات. وكأن ابن رشيق "فطن لهذا حين سمي كلام امرئ القيس لمذكور، تنسيقيًا، ذلك حيث يقول: "ولو لم يكن إلا تنسيق هذا الكلام بعضه على بعض ... الخ"

قد شهدت حقيقة التقسيم على النقاد، واختلط أمرها عندهم اختلاطًا شديدًا بالمقابلة والموازنة، جعلهم يستكثرون من المصطلحات، كل ذلك محاولة للتوضيح ودفع الالتباس، فلم يكن من هذه المصطلحات إلا أن زادت الأمر تعقيدًا. من ذلك تسميهم لنحو قول أبي العميثل الأعرابي:

والطف ولن وتأن وارفق واتئد ... واحزم وجد وحام واصل واقطع

تقطيعًا، وقد ذكرناه في باب الحديث عن الجناس. وقد خلطوا بينه وبين التقطيع في نحو قول ديك الجن.

حر الإرهاب وسميه، بر الإياب كريمه، محض النصاب صميما ومن ذلك ما سماه قدامة "التوشيح"، وسماه ابن رشيق التسهيم، وقد اضطرب فيه ابن رشيق، فزعم أن منه ما يشبه المقابلة (١). مثل قول جنوب أخت


(١) العمدة ٢: ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>