للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإقدامه عليه، وكان معاصروه أشد له عيبًا منهم لكثير من أصناف الزحاف، مما يدلك على أصالة الرجل في موسيقا الشعر العربي وصدق فطرته وفنه.

تأمل مثلاً قوله:

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر ... فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

تعثرت به في الأفواه ألسنها ... والبرد في الطرق والأقلام في الكتب

وقد جمع في قوله (تعثرت به) زحافًا خفيًا مع الاختلاس كما ترى. وهذا في قصيدة مما احتفل له وهو ناضج يعرف كيف يقول، فلا يسبقن إليك أنه قد زل (١). وقد روي أنه كان ربما أنشد «تعثرت بك» (٢) فأحسبه إن فعل ذلك إنما كان يلتمس، ألا يُحرج بالسؤال من بعض من قد ينفس عليه وهذا من باب التقية اللازمة أحيانًا. وبين قوله (تعثرت به) و (تعثرت بك) بون بعيد ومكان الجودة من الأولى لا يخفى.


(١) قد يكون الاختلاس أحيانًا من الزلل وضعف الملكة بلا ريب كالذي يقع كثيرًا في شعر الشريف محمود قبادو التونسي كقوله (ديوانه، طبع تونس، رقم ٤/ ٣١ بمكتبة العطارين بتونس ص ١٧ س ١٥).
واهتز من أهرام مصر قواعد ... وابتز من ديوان كسرى بناء
والاختلاس في ألف كسرى. وكقوله (ص ١٧ س ١٥):
يغنيه خوفه أن تسل سيوفه ... لكنها أغمادها الأحشاء
وقوله (ص ١٨):
ويكاد رأيه أن يباري رؤية ... فتلوح قبل وجودها الأشياء
وقوله (ص ٢٠):
قد كان في حلم الأمير وصفحه ... ردع يظنه مثلكم إغراء
ورفع الهمزة هنا مشكل إلا أن يكون اتباعًا على الحكاية في ردع وهو بعيد. وقل أن يؤتي قبادو من جهة النحو. فليرجع إلى ديوانه، فعسى أن يكون هذا البيت من همزية منصوبة أو عسى أن تكون مقيدة. والله أعلم.
(٢) ديوان المتنبي تحقيق الدكتور عبد الوهاب عزام، مصر ١٩٤٤، ص ٤٢٣ هامش ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>