للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأكيد ذلك وتقريره بقوله تعالى: "وقٌضي الأمر". ثم ذكر ما هو فائدة هذه الأمور، وهو "استوت على الجودي"، ثم إضمار السفينة قبل الذكر، كما هو شرط الفخامة والدلالة على عظم الشأن، ثم مقابلة "قيل" في الخاتمة "بقيل" في الفاتحة. أفترى لشيء من هذه الخصائص التي تملؤك روعة، وتحضرك عند تصورها هيبة تحيط بالنفس من أقطارها، تعلقا باللفظ من حيث هو صوت مسموع، وحروف تتوالى في النطق؟ أم كل ذلك، لما بين الألفاظ والمعاني من الاتساق العجيب؟

قد اتضح إذن، اتضاحًا لا يدع مجالًا للشك، أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة، ولا من حيث هي كلمٌ مفردة. وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، أو ما أشبه ذلك، مما لا تعلق له بصريح اللفظ. ومما يشهد لذلك، أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر. هـ" (١).

ويؤخذ علي عبد القاهر، أن في كلامه نوعًا من التناقض، من حيث إنه يسلم أن الكلمات منها الغريب الوحشي، ومنها الذي يكد اللسان، ثم ينفي بعد هذا كله أن تكون الكلمات متفاضلة غير متساوية قبل أن يشملها النظم. وربما يعتذر لعبد القاهر عن هذا بأنه كان يرى الألفاظ في جملتها غير متفاضلة، وأن فضل المستعمل على غير المستعمل، والخفيف على الثقيل طفيف، بحيث يمكن تجاهله، وأن النظم إذا أجاده صاحبه، قد يسبغ على كلمة وحشية رونقها لا يتهيأ ولا يتأتي إذا وضعنا مكانها كلمة أخرى مألوفة، وقد يتيح لكلمة ثقيلة، تكد اللسان من العذوبة ما لا يتوفر لو استبدلناها بأخرى مما يحسب خفيفًا سهلًا.

ولابن الأثير أن يتعرض على هذا الاعتذار باعتراضات كثيرة: منها أن في تسليم عبد القاهر نفسه بأن في الكلمات ما يكون ثقيلًا كادًّا للسان من طبيعة مخرجه،


(١) دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني، طبعة المنار الرابعة ١٣٦٧ هـ ص ٣٥/ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>