أن نجعل لفظة "رجل" أدل على الآدمي الذكر من نظيره في الفارسية؟ وهل يقع في وهم -وإن جهد- أن تتفاضل الكلمتان المفردتان من غير أن ننظر إلى مكان تقعان فيه من التأليف والنظم، بأكثر من أن تكون هذه مألوفة مستعمله، وتلك غريبة وحشية؟ أو أن تكون حروف هذه أخف، وامتزاجها أحسن، ومما يكد اللسان أبعد؟ وهل تجد أحدًا يقول "هذه اللفظة فصيحة" إلا وهو يعتبر مكانها من النظم، وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها؟ وهل قالوا:"لفظة متمكنة، ومقبولة"، وفي خلافة:"قلقة، ونابية، ومستكرهة" إلا وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناها، وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم، وأن الأولى لم تلق بالثانية في معناها، وأن السابقة لم تصلح أن تكون لفقًا للتالية في مؤداها؟ وهل تشك إذا فكرت في قوله تعالى:{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[هود: ٤٤]"، فتجلى لك منها الإعجاز، وبهرك الذي ترى وتسمع، أنك ما وجدت من المزية الظاهرة، والفضيلة القاهرة، إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض، وأن لم يعرض لها الحسن والشرف إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية، والثالثة بالرابعة، وهكذا، إلى أن تستقر بها إلى آخرها، وأن الفضل نتج ما بينها، وحصل من مجموعها؟ إن شككت فتأمل: هل ترى لفظة منها بحيث لو أخذت من بين أخواتها وأفردت، لأدت من الفصاحة ما تؤديه وهي في مكانها من الآية؟ قل "ابلعي" واعتبرها وحدها من غير أن تنظر إلى ما قبلها وما بعدها. وكذلك فاعتبر سائر ما يليها. وكيف بالشك في ذلك، ومعلوم أن مبدأ العظمة في أن نوديت ثم أمرت. ثم في أن كل النداء بـ "يا" دون "أي" نحو: "يا أيتها الأرض"، ثم إضافة الماء إلى الكاف دون أن يقال: ابلعي الماء. ثم أن أتبع نداء الأرض وأمرها بما هو من شأنها، نداء السماء وأمرها كذلك بما يخصها. ثم أن قيل "وغيض الماء"، فجاء بالفعل على صيغة "فعل" الدالة أنه لم يغض إلا بأمر آمر، وقدره قادر، ثم