ويستنتج من كلام ابن الأثير هذا، أن الكلمة تكون قبيحة إذا كانت غريبة غير مألوفة، وكونها غريبة غير مألوفة ناشئ من قبح مخارجها. وهذا منطق فاسد، والأساس الذي بني عليه، وهو أن الألفاظ من حيز الأصوات، أساس واه، لأننا نستحسن أصوات البلابل، ونستقبح أصوات الغربان، من حيث أنها جرس محض. أما الألفاظ فلا نقدر أن نتصورها بدون معانيها. خذ مثلًا كلمة "نهيق"، أليست هذه الكلمة حكاية لصوت الحمار المجمع على قبحه؟ أهذا يجعلها قبيحة في ذاتها؟ لو جاز أن يقال هذا، لحرم على الشعراء أن يصفوا الأصوات القبيحة جملة، لا، لبطل التعبير عن مظاهر القبح الموجودة في الدنيا مرة واحدة.
ومما يؤخذ على ابن الأثير أيضًا، فرضه أن المألوف في الاستعمال من الكلمات كان وسيظل مألوفًا، لطبيعة حسنة راسخة في سنخه. وقد أباح لنفسه - دفاعًا عن هذه النظرية - أن يعيب على الجاهلي المحض استعمال كلمة "بعاق". والذي لا شك فيه. أن الكلمة ربما تكون مألوفة اليوم، غير مألوفة غدًا.
وقد ذهب عبد القادر الجرجاني إلى القول الذي كرهه ابن الأثير، من أن الألفاظ كلها متساوية، حتى يفرق بينهما النظم. قال:" ... ينبغي أن ينظر إلى الكلمة قبل دخولها في التأليف، وقبل أن تصير إلى الصورة التي يكون بها الكلم إخبارًا أو أمرًا أو نهيًا أو استخبارًا أو تعجبًا، وتؤدي في الجملة معنى من المعاني التي لا سبيل إلى إفادتها إلا بضم كلمة إلى كلمة، وبناء لفظة على لفظة - هل يتصور أن يكون بين اللفظتين تفاضل في الدلالة: تكون هذه أدل على معناها الذي وضعت له من صاحبتها على ماهي موسومة به، حتى يقال: إن "رجلًا" أدل على معناه من "فرس" على ما سمي به؟ وحتى يتصور في الاسمين الموضوعين لشيء واحد أن يكون هذا أحسن نبأ عنه، وأبين كشفًا عن صورته من الآخر؟ فيكون "الليث" مثلًا أدل على السبع المعلوم من الأسد، وحتى أنا لو أردنا الموازنة بين لغتين، كالعربية والفارسية، ساغ لنا