أشبها، كل أولئك أمور واضحات ولسن بمنفصلات عن نفس الشاعر ولا هو بمنفصل عنهن. وليس شيء من خصال الشعر بمنفصل بعضه عن كله، إذ الشعر كل واحد فيما يكون منه قصائدً طوالًا أو قطعًا قصارًا أو غير ذلك. وإنما نعمد إلى تمييز عناصره ومكوناته بعضها عن بعض بقصد الدرس وإمعان النظر، كما ذكرنا من قبل. ومع خفاء أمر نفس الشاعر من حيث إنه روح من حيوية رابطة محركة مؤثرة معبرة معًا، قد نقدر على استبانة دلائل منه وعلامات ينبئن عنه. من ذلك مثلًا قول زياد:
فعد عما مضى إذ لا ارتجاع له ... وأنم القتود على عيرانة أجد
فهذا ربط به بين ما تلا من نعت الناقة والطريق وما تقدم من نعت الأطلال.
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام
فهذا خروج تخلص به من النسيب إلى ذكر خبر بدر وهزيمة قريش، وفهم الحارث بن هشام مراده فلم يأت بمقدمة من نسيب، ولكنه قال:
الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى علوا فرسي بأشقر مزبد
وشممت ريح الموت من تلقائهم ... في مأزق والخيل لم تتبدد
وعلمت أني إن أقاتل واحدًا ... أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي
فصددت عنهم والأحبة فيهم ... طمعًا لهم بعقاب يوم مرصد
وقال كعب بن زهير رضي الله عنه:
أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... إلا العتاق النجيبات المراسيل
فخرج من النسيب إلى الرحلة.
ثم خرج من الرحلة إلى الاعتذار ومن الاعتذار وإعلان التوبة إلى صريح المدح- وقال أبو الطيب وهو يخرج من النسيب بذلك إلى المدح:
لقيت بدرب القلة الفجر لقية ... شفت كمدي والصبح فيه قتيل
ويومًا كأن الحسن فيه علامةً ... بعثت بها والشمس منك رسول
وما قبل سيف الدولة أثار عاشق ... ولا طلبت عند الظلام ذحول