للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مراده بالحادث العمم يوم القيامة. وفي الحديث ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم هو الملاذ في ذلك اليوم حين يقول كل أمرئ نفسي نفسي، قال تعالى: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها} فيعتذر كل من ترجى شفاعته إلا من أنزل الله سبحانه وتعالى فيه {ومن الليل فتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} - قال المفسرون كما تقدم إن عسى هنا واجبة. (وحتى على تقدير أن عسى احتمالية أو رجائية غير واجبة وذلك ما لا يقول به أحد ولا نقول به. حتى على هذا الوجه البعيد فإن ههنا استثناء من آية النحل {يوم تأتي كل نفس} [الآية] لأن الله جل شأنه يقول {عسى أن يبعثك} فهذا البعث هو يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها، فاستثناؤه صلى الله عليه وسلم حق حتى على هذا الوجه على وذلك ظاهر والحمد لله. وفي الحديث الصحيح ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي يقوم المقام المحمود يوم القيامة وذلك اليوم هو المعني كما تقدم بالحادث العمم. وإنما أتي الآخذ على البوصيري ما أخذه من جهة حصر معنى الحادث العمم في معنى النازلة التي تنزل بالمرء، وهذه تكون كالعامة إن كانت بلاءً شمل عددًا كبيرًا من الناس كما يحدث من الأوبئة والزلازل مثلًا. ولكن العمومية هنا نسبية ليست مطلقة. وقد تنزل النازلة بالمرء وحده فيسميها حادثًا عمها على سبيل المبالغة. وكل ذلك ليس له مثل معنى عمومية الهول يوم الحساب وهو المراد من البوصيري هنا ويناسب ما تلا البيت من ذكره الزلة كما يناسب ما بدأ به البردة من شكوى التقصير والندم كقوله:

وما تزودت قبل الموت نافلة ... ولم أصل سوى فرض ولم أصم

وعزل البيت عما تقدمه وتلاه وحمل معناه على المجاز دون الحقيقة بقصد الطعن على صاحبه وهو يتقرب إلى ربه بتوقير نبيه صلى الله عليه وسلم وتعزيره، من الخطأ والله هو العليم بالسرائر وما تخفي الصدور وهو الموفق للصواب.

العنصر الرابع وهو نفس الشاعر:

مرادنا من قولنا «نفس الشاعر» بفتح النون والفاء هذا الروح الذي يربط بين أول القصيدة وآخرها، وبين مطالع الأبيات ومقاطعها، وبين البيت والبيت، وبين مجموعات الأبيات التي تكون معًا في معنى أو دلالة واحدة أو متقاربة ومجموعات الأبيات التي تلي أو تكون قد تقدمت في معنى آخر. وقالوا هذا الشاعر طويل النفس إذا طالت القصيدة وكانت أبياتها وقوافيها تنثال عليه انثيالًا. وقولنا «هذا الروح» أردنا به التنبيه على أن أمر نفس الشاعر فيه خفاء، إذ أمر الروح فيه خفاء، الوزن، الإيقاع، القافية، الأغراض، الألفاظ، المعاني، التشبيه والاستعارة وما

<<  <  ج: ص:  >  >>